ثمة خط مباشر يربط بين القضاء على خلية تابعة لـ«حماس» جرى تبشيرنا به، ومحاولة الهجوم الذى نفذه حزب الله على الحدود الشمالية ضد دورية للجيش الإسرائيلى فى منطقة هار دوف [مزارع شبعا]. ففى الحادثين أحبطت محاولة الهجوم أو لم تسفر عن إصابات. لكن الذى لا يقل أهمية عن ذلك حقيقة أن ما حدث يتعلق بتنظيمين مرتدعين لا مصلحة لهما فى التسبب بتصعيد على طول الحدود، لكنهما برغم ذلك لم يرتدعا عن اللعب بالنار والمخاطرة بمواجهة شاملة.
ليس هناك أى مصلحة لـ«حماس» وأيضا لـ«حزب الله» فى مواجهة مع إسرائيل. فلاتزال «حماس» تلعق جراح جولات المواجهات السابقة، وبالرغم من محاولاتها إعادة بناء ما دُمر فى غزة، فإن القطاع لايزال مدمرا، كما تعانى «حماس» من عزلة إقليمية لم تعرفها منذ سنوات كثيرة. وحتى حليفتها تركيا، هى اليوم فى ذروة جهدها للتوصل إلى مصالحة مع إسرائيل.
ووضع حزب الله ليس أفضل، فالحزب غارق فى السنوات الأخيرة فى الحرب فى سوريا، حيث قتل نحو ألف من خيرة مقاتليه. وهذا رقم مهم بالنسبة لتنظيم يبلغ عدد مقاتليه الإجمالى مجرد عشرات الآلاف. وهو يدفع بسبب هذه الحرب ثمنا اقتصاديا باهظا، وكما أنها أدت إلى وصول الارهاب الإسلامى الراديكالى إلى شوارع المدن والبلدات الشيعية فى لبنان.
•••
إن آخر ما يمكن أن يرغب الطرفان فيه أو يريدانه هو مواجهة شاملة مع إسرائيل. ومع ذلك، فإنهما لا يرتدعان عن اللعب بالنار، ولا يتوقفان عند الضوء الأحمر برغم أنه من الواضح لهما أن النار التى يشعلانها يمكن أن تخرج عن السيطرة.
عمل حزب الله فى السنوات الأخيرة على بناء بنية تحتية موالية له على حدود إسرائيل ــ سوريا فى هضبة الجولان. وهو على ما يبدو يفعل ذلك للحول دون تورطه فى مواجهة مع إسرائيل على الحدود اللبنانية. لكنه عمليا، بعد اغتيال جهاد مغنية، وبعد اغتيال سمير القنطار، فإنه رد بطريقة كان من الممكن أن تشعل المنطقة بأسرها. من حسن الحظ أن الحادثة انتهت من دون وقوع اصابات وكانت فشلا كبيرا بالنسبة لحزب الله. لكن كان من الممكن أن ينتهى الحادث بصورة مختلفة وبعدد كبير من الإصابات بين قواتنا.
لقد احتوت إسرائيل فى السنة الماضية وقبل ذلك أيضا، مثل هذه الأحداث. وهى بذلك بعثت برسالة خطأ إلى حزب الله مفادها أنها مستعدة لاستيعاب مثل هذه الأحداث والقبول باستفزازات الحزب على طول الحدود فى منطقة هار دوف [مزراع شبعا].
من جهتها، تحافظ «حماس» على الهدوء على طول حدود قطاع غزة وتعمل ضد الأطراف الإسلامية الراديكالية التى تحاول تأسيس وجود لها فى القطاع، وحماس تفعل ذلك بصورة أساسية لأن هؤلاء يشكلون قبل كل شىء، خطرا عليها. وهى لا تعمل بصورة صارمة ضد الأطراف الفلسطينية التى تتعاون معها والتى تحاول من حين إلى آخر إطلاق صواريخ بصورة مستقلة فى اتجاه إسرائيل. لكن «حماس» أيضا تتيح لأعضائها فى الضفة سواء من خلال توجيه وإرادة من القيادة العليا، أو من خلال التشجيع والدعم، الإعداد لعمليات إرهابية ضد إسرائيل. ولا تعنى بذلك المهاجمين الأفراد الذين اختبرناهم فى الأشهر الأخيرة، وإنما خلايا منظمة تعد سلفا عملياتها، ولهذا فإن هذه العمليات قد تكون أشد فتكا بكثير.
•••
إن غاية كل من «حماس» وحزب الله من وراء محاولات الهجوم واضحة. وعلى الرغم من الافتراض السائد لدينا بأن التنظيمين مرتَدعان وسيفعلان كل شىء لتفادى الوصول إلى مواجهة مع إسرائيل، فإن الوقائع تدل على غير ذلك. فالاثنان مستعدان للعب بالنار ومستعدان لدفع ثمن النار والتدهور إلى مواجهة ربما يفضلان عدم الوصول إليها، لكنهما داخليا ليسا مرتدعين وليسا خائفين كما هو الاعتقاد السائد لدينا.
يتضح أنه لكل ردع فعال تاريخ انتهاء للصلاحية. وفى ضوء هذا الواقع، فإن محاولات هجمات جديدة مسألة وقت. يبقى أن نأمل فقط أن تفشل هذه المحاولات أيضا، وألا تؤدى إلى تدهور المنطقة نحو جولة جديدة من المواجهات.
إيال زيسر - باحث فى معهد دايان
يسرائيل هَيوم - نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية