نشرت صحيفة هاآرتس مقالا للكاتب جدعون ليفى يعرض فيه المضايقات التى يتعرض لها الفلسطينيون كل عام فى موسم حصاد الزيتون، ويرى أن المظاهرات الحالية فى إسرائيل ضد نتنياهو لن تحقق الديمقراطية إذا أهملت المطالبة بحقوق الفلسطينيين.. نعرض منه ما يلى.
يتلخص الوضع فى مقطعى فيديو: الأول شابة من تل أبيب ترتدى زى السباحة على شاطئ مغلق بسبب الكورونا. يقترب منها ضابط الشرطة ويسألها بأدب شديد عن اسمها لتحرير مخالفة. ترفض الفتاة. يحاول إبلاغها بالتعليمات، فإذا رفضت سيكون ملزما باعتقالها. تدير له ظهرها وتذهب بعيدا قائلة «لا يمكن أن تضع القيود على يدى». يحاول الضابط إقناعها بلا جدوى، لذلك لم يكن أمامه إلا اعتقالها.
ينتشر الخبر عبر الانترنت بسرعة: ضابط شرطة يعتقل شابة يهودية بريئة ترتدى زى السباحة.. إنها الفاشية.. نهاية الديمقراطية.. المواطنون يختطفون.. اعتقالات سياسية.. ديكتاتورية.. شمولية.. استبداد.. الديكتاتور التشيلى أوجستو بينوشيه على الشاطئ.. موسيلينى على الرمال.
أطلق سراح الفتاة بعدها بالطبع. نشرت الشرطة مقطع الفيديو ليظهر اللحظات قبل الاعتقال، فخمدت العاصفة، قليلا. ربما تأخرت الفاشية فى طريقها لتل أبيب، ولكنها حتما فى طريقها. ففى الأخير وضع الشرطى الأصفاد على يدى الفتاة.
مقطع الفيديو الثانى: مزارعون فلسطينيون من قرية برقة فى طريقهم لحصاد الزيتون من أراضيهم. يعترضهم مجموعة من المستوطنين البلطجية، بمضارب مخبئة فى ستراتهم، وينصبوا لهم الكمائن.. صرخ أحد البلطجية من مستوطنة «نوف زيون» غير القانونية قائلا: «أنا ملك هذه الأرض. أعطانى الله إياها، وأنتم على أرضى. أنا ابن الله، وأنتم عبيده». لم يكن الجيش أو الشرطة موجودين، لكن بعد سنوات من الخوف، يحاول المزارعون حماية أنفسهم.
مجموعة من الشباب الفلسطينيين من منظمة «فزعة»، وهى منزعة تأسست لحماية الفلاحين، تمنوا أن تتحقق معجزة ويستطيعوا إخراج المستوطنين من أراضيهم برشقهم بالحجارة. رمى المستوطنون الحجارة أيضا، بمن فيهم مراسل قناة 12 الإسرائيلية «أوهاد هيمو» وهو يغطى الحدث.
وثق هيمو يوميا واقعة خلال موسم الزيتون. بالنسبة للفلسطينيين، مثل الحصاد، وهو حدث زراعى وعائلى جميل، معركة لسنوات. بفضل تفانى هيمو، رأى الإسرائيليون لحظة لهذا الواقع. أزعج هذا بالتأكيد العديد من الإسرائيليين الطيبين، الذين انزعجوا من المشهد، لكن لم يخرج أحد إلى الشوارع احتجاجًا. العاصفة الصغيرة حدثت لأن هيمو أصيب وقلق الناس عليه. لم يتحدث أحد عن الفاشية والاستبداد ونهاية الديمقراطية. لم يكن الأمر يتعلق بتقييد يدى يهودية على الشاطئ.
احتجاج مقابل احتجاج.. احتجاج المزارعين الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم والذين يكافحون من أجل آخر ما تبقى من ممتلكاتهم وكرامتهم، واحتجاج الإسرائيليين اليهود، ذوى الامتيازات، الذين يريدون تغيير رئيس الوزراء ويندبون نهاية ديمقراطيتهم. أثار أحد الاحتجاجات المشاعر، وتجاهلت إسرائيل الأخرى. لكنهما متشابكان. من المستحيل المطالبة بالديمقراطية دون المطالبة بالديمقراطية للجميع. لا يوجد شيء اسمه الديمقراطية ليس للجميع. الفاشية الإسرائيلية موجودة فى برقة، ولم تصل بعد لشاطئ تل أبيب.
لذلك من المستحيل أخذ الاحتجاجات بالقرب من مقر إقامة رئيس الوزراء فى شارع بلفور على محمل الجد. إذا عرقلت الفاشية سكان برقة فى قطف زيتونهم ولم يعيرهم المتظاهرون بشارع بلفور اهتماما، فإن احتجاج شارع بلفور ليس حركة مناهضة للفاشية أو مؤيدة للديمقراطية، كما تدعى، رغم كل كلماتها الجميلة.
وطالما ساد الاستبداد العسكرى فى برقة، مدعوما بميليشيات عنيفة وهمجية، فلن تكون إسرائيل ديمقراطية، حتى لو حقق الاحتجاج فى شارع بلفور أهدافه، وسُجن بنيامين نتنياهو، وسط صرخات المتظاهرين.
لذا فلتطالبوا الديمقراطية للجميع، أو لا تتحدثوا عنها على الإطلاق.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغني
النص الأصلي