تعتبر منظومة «القبة الحديدية» نتاج الأعوام الأخيرة. فهذه المنظومة المضادة للصواريخ التى أصبحت جزءاً من المشهد فى غلاف غزة، لم تظهر عندما كان شارون فى كامل وعيه، لكنها بالأمس شاركت فى تشييع رئيس الحكومة الإسرائيلية الحادى عشر، إذ نشر منظمو الجنازة بطارية صواريخ إضافية تحسباً لاحتمال «تحرك» القطاع.
قد يشكل ذلك أوضح تجسيد لإرث شارون. هذا الزعيم الذى حظى فى الأيام الأخيرة بفيض غير مسبوق من مقالات التكريم ودُفن فى المكان الذى أحبه في المنطقة التى تتعرض للخطر من جانب القطاع الذى دمره شارون واقتلع المستوطنات المزدهرة التى كانت فيه. هذا الزعيم الذى «هدد» العرب بالانفصال من طرف واحد ونفذ تهديده، حُمل إلى مثواه الأخيرة بحماية «القبة الحديدية» التى جرى تطويرها فى أعقاب تزايد خطر الصواريخ من قطاع غزة المحرر الذى سيطرت عليه «حماس».
سيبقى قطاع غزة مصدراً للخطر ولن يهدأ أو يستريح، وسيظل يشكل تهديداً لسلامة مواطنى إسرائيل، وحدث ذلك بسبب الهرب من غزة (كما يقول العرب)، ولأنه كان على رأس الدولة بلدوزر قرر أن يفاجئ الجميع ويغير موقفه. فهل هذا هو السلام الذى تحدث عنه شارون، سلام فى ظل التهديد الدائم للصواريخ والقذائف وسفك الدماء؟
وثمة بشرى أخرى سمعناها بعد وفاة شارون هى نجاح «حماس» فى تطوير صاروخ يبلغ مداه إلى الخضيرة. هذا هو الرد الفلسطينى على جعل المنطقة كلها تحت سيطرتهم، نتيجة الخطأ الكبير الذى لم يسبق أن ارتكبه أى زعيم إسرائيلى.
لقد مرّت ثمانى سنوات على عدم وجود شارون بيننا، ثمانى سنوات وما زلنا نتعجب ونتساءل ماذا جرى لهذا الرجل القوى، وكيف تغير موقفه بنسبة 180 درجة، ولماذا خان ناخبيه وانشق على حزبه واستهان بقراره الديمقراطى، وما الذى دفعه إلى اقتلاع آلاف المستوطنين من منازلهم؟ ما الذى جرى فجأة لقائد الفرقة 101 الأسطورية، ولهذا المزارع ابن أرض إسرائيل، بحيث لم يعد يفهم نيات العدو العربى الذى قاتله بشجاعة عشرات السنين فى جميع حروب إسرائيل؟
وعلى الأقل، ليت الخطوات المؤلمة التى قام بها أدت إلى نتيجة، أو ساهمت فى فتح الأفق نحو السلام. وما أخشاه أن ما قام به شارون خلال توليه رئاسة الحكومة وما أظهره من «ضعف تجاه السلام» هو الذى أبعدنا عن السلام.
يوسى أحيمئير - محلل سياسى ــ «معاريف» - نشرة الدراسات الفلسطينية