منظومة العلاقات بين إسرائيل وتركيا لم تكن فى أفضل حالاتها فى السنوات الأخيرة. الخلافات فى الآراء بين الدولتين عميقة فيما يتعلق بمجموعة قضايا، وعلى رأسها النزاع الإسرائيلي ــ الفلسطينى، ودعم تركيا للإسلام السياسى فى المنطقة. فى المقابل، وثقت إسرائيل علاقاتها جدا بمجموعة من دول المنطقة وكلهم خصوم بارزون ومعارضون للسياسة الخارجية التركية الحالية.
بالإضافة إلى ذلك، منذ مايو 2018 لا يوجد سفيران فى السفارتين فى تل أبيب وفى أنقرة بل قائمان بالأعمال. حدث هذا بعد أن طلبت تركيا من السفير الإسرائيلى المغادرة من دون أن تخفّض بصورة رسمية مستوى العلاقات ــ ردا على الهجوم الإسرائيلى على قطاع غزة، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
مؤخرا ظهرت تقارير يمكن أن تدل على محاولة تركية لتحسين العلاقات. بينها تقرير عن اجتماع سرى عُقد بين رئيسى استخبارات الدولتين بحث فى تطبيع العلاقات، وفى تعيين سفير تركى جديد فى إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك نشر مركز دايان مقالا دعا الدولتين إلى السعى للاتفاق على الحدود البحرية بينهما. الكاتب هو الأدميرال المتقاعد البروفيسور سيهات يايسى الذى يوصف بأنه أدميرال الاتفاق البحرى الذى وُقّع فى السنة الماضية بين تركيا وليبيا. فى مقاله ادعى الكاتب أن الاتفاق على خط الحدود البحرية الموقّع بين إسرائيل وقبرص (فى ديسمبر 2010) يظلم عمليا إسرائيل. بحسب كلامه، فى حال التوصل إلى اتفاق بحرى إسرائيلي ــ تركى، سيُضاف إلى أراضى إسرائيل 16 ألف كيلومتر مربع، وسيشمل ذلك المنطقة التى تتضمن حقل الغاز القبرصى «أفروديت» (الذى يُعتبر حقلا مشتركا إسرائيليا ــ قبرصيا، لكن الجزء الأكبر منه يقع فى الجانب القبرصى. لم تتفق إسرائيل وقبرص بعد على الحصة الدقيقة لكل دولة).
فى مقابل ذلك، الناطق بلسان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ومستشاره الكبير، إبراهيم كلاين، سُئل فى نقاش فى معهد للأبحاث عن منظومة العلاقات مع إسرائيل، فركزت إجابته على القضية الفلسطينية، ولم يتطرق إلى احتمال تحسّن العلاقات. وأوضح كلاين أن تركيا تؤيد حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مع صلاحيات سيادية، وشدد على أن الحكومة الإسرائيلية ابتعدت فى السنوات الأخيرة عن هذه المواقف.
هل هذه تلميحات لا تزال مترددة بشأن مسألة تحسين العلاقات مع إسرائيل؟
تنتهج تركيا فى الأشهر الأخيرة سياسة خارجية فى عدة جبهات: فى الحوض الشرقى للبحر المتوسط فى مواجهة اليونان وقبرص حول الحدود البحرية؛ فى لبيبا فى محاولة مستمرة لدعم الحكومة فى طرابلس؛ وفى الصراع الأذري ــ الأرمينى، بشأن الخلاف على إقليم ناغورنو كاراباخ. ارتفاع التوتر فى الحوض الشرقى للبحر المتوسط رفع من احتمال فرض عقوبات على تركيا من جانب الاتحاد الأوروبى.
علاوة على ذلك، الساحة الدولية كلها تتحضر لمواجهة دخول الإدارة الأمريكية الجديدة إلى واشنطن وتُظهر أنقرة تخوفا من السياسة الأمريكية الجديدة. العلاقات التركية ــ الأمريكية معقدة ومتوترة منذ فترة طويلة، فى الأساس بسبب الخلاف فى الرأى بشأن شراء منظومة صواريخ Sــ400 الروسية، والتأييد الأمريكى للأكراد فى شمال شرق سوريا. مع ذلك، منظومة العلاقات بين ترامب وأردوغان كانت إجمالا إيجابية، الأمر الذى ساعد فى المحافظة على ضبط النفس بين الدولتين.
هل التلميحات التركية فيما يتعلق بإسرائيل هى رسالة إلى إدارة بايدن؟ ليس من المستبعد أن المقصود هو فعلا تلميحات ولو حذرة ومترددة لإظهار اهتمام بتحسين الأجواء بين تركيا وإسرائيل. فى المحصلة تشعر تركيا بالعزلة والتحدى فى مواجهة المنظومة الإقليمية المثيرة للإعجاب، التى تضم إسرائيل، واليونان، وقبرص، ومصر، ودول الخليج.
الخلافات فى الرأى بين إسرائيل وحكومة أردوغان عميقة. والمنظومة الإقليمية الناجحة التى بُنيت بالكثير من العمل فى السنوات الأخيرة تخدم جيدا المصالح الحيوية الإسرائيلية. العلاقات مع الدول الهيلنية انضمت إليها مؤخرا زاوية خليجية، وكلهم يتابعون بقلق السياسات للدولة التركية فى المنطقة.
فى المقابل، تحسين الحوار بين إسرائيل وتركيا أمر حيوى، وهو يمكن أن يسمح لهما بتسوية الخلافات والحئول دون حدوث سوء التفاهم على خلفية تصاعُد التوترات فى المنطقة، وتوسيع التعاون الاقتصادى والمدنى بينهما. عودة السفيرين إلى تل أبيب وأنقرة هى خطوة مطلوبة أولى حذرة وليست بالضرورة صعبة. بمقدار ما تحاول تركيا فعلا تحسين الحوار مع إسرائيل، من المستحسن أن ترد إسرائيل على ذلك بإيجابية، لكن عليها أن تضع حلفاءها فى المنطقة فى صورة المستجدات، وأن تتعامل معهم بشفافية.