حين تهدأ ضجة الاحتفالات الرسمية والاحتفالات ذات طابع العلاقات العامة بتسلم الجنرال أفيف كوخافى مهمات منصب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلى ــ ستتضح صورة الواقع التى تنتظر الرئيس الـ22 لهذه الهيئة. كما سيتبين أن شروط بدئه بمهمات منصبه هذا قاسية أكثر من شروط بدء سلفه الجنرال غادى أيزنكوت.
حين دخل أيزنكوت إلى مكتبه فى الطابق 14 من برج وزارة الدفاع الإسرائيلية فى الكرياه [فى تل أبيب]، فى يناير 2015، كان الأفق الشرق الأوسطى واعدا أكثر لإسرائيل ولمصالحها، إذ تعرضت حركة «حماس» فى قطاع غزة لضربة قوية خلال عملية «الجرف الصامد» العسكرية [صيف 2014] ووافقت على وقف إطلاق النار، وكانت سوريا غارقة فى خضم حرب أهلية لم تكن نهايتها بادية فى الأفق، وكانت إيران ومنظمة حزب الله تنزفان دمًا فى تلك الحرب ولم يكن الروس دخلوا إليها، وكانت الضفة الغربية هادئة نسبيا، فضلا عن أن إيران وافقت على إجراء مفاوضات بشأن تقليص برنامجها النووى.
أما الواقع اليوم فمختلف تماما: الحرب الأهلية فى سوريا باتت فى مراحلها النهائية، وروسيا ضالعة فى الدفاع عن نظام بشار الأسد وفى استقراره، والإيرانيون مصممون أكثر من أى وقت مضى على تثبيت وجودهم فى سوريا ولا يبدو أنهم مستعدون للتراجع أمام الهجمات التى تشنها إسرائيل. كما أن التصريحات الأخيرة التى أدلى بها كل من رئيس هيئة الأركان العامة المنتهية ولايته أيزنكوت ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وحطما فيها سياسة الغموض الإسرائيلية إزاء ما يتعلق بالهجمات فى سوريا، من شأنها أن تجعل مواصلة إدارة المعركة أكثر صعوبة بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلى ورئيس هيئة الأركان الجديد. ولا شك فى أن روسيا تشعر بعدم ارتياح جراء فائض الثرثرة المتبجحة من طرف زعماء إسرائيل.
لكن فوق كل شىء، يجد الجنرال كوخافى نفسه محشورا فى مضائق ساحة قطاع غزة، حيث اضطر الجيش الإسرائيلى إلى تنفيذ سياسة انعدام أى سياسة لحكومة نتنياهو حيال القطاع. وهى سياسة لا تعرض حلا بعيد المدى للمشكلة، لكنها تطالب الجيش الإسرائيلى بأن يخرج لها الكستناء من النار. وتوشك غزة على أن تكون بمثابة التحدى الأكبر لكوخافى. وفى ظل انعدام أى مبادرة سياسية، سيتعين على الجيش الإسرائيلى أن يكون أشبه بمقاول فرعى لعجز الحكومة، وأن يخرج إلى حرب لا أحد يريدها ولا يمكن تحقيق حسم أو انتصار فيها.
إن هذا كله يشير إلى أن المستقبل القريب والبعيد الذى ينتظر رئيس هيئة الأركان الجديد يكتنفه الضباب. ويمكن القول إن معظم الأمور غير متعلقة به، فثمة قدر أكبر مما ينبغى من المتغيرات غير المتوقعة التى ليس بوسعه ولا بوسع الجيش الإسرائيلى أو حكومة إسرائيل أن تقرر اتجاه تطورها.
يختلف كوخافى فى طبيعته عن أيزنكوت. فهو يؤمن بالعلاقات العامة أكثر من سلفه، كما أنه ذو نزعة قوة أكبر ولديه ميل لصياغات فلسفية ــ ثقافية. وكل هذه السمات تبدو جميلة لكنها لن تساعده قط إذا ما وجدت إسرائيل نفسها فى خضم حرب أخرى فى أثناء سنوات ولايته فى رئاسة هيئة الأركان. ومثل أيزنكوت، سيبقى الهدف الأهم للجنرال كوخافى هو منع وقوع حرب، والانتصار فيها فى حال اندلاعها. وهذه مهمة غير سهلة على الإطلاق، بل تكاد تكون مستحيلة.
يوسى ميلمان
محلل الشئون الأمنية
معاريف
مؤسسة الدراسات الفلسطينية