قبل ثلاثة أعوام، تلقى بائع الخضروات التونسى محمد البوعزيزى لكمة من شرطية وقام بإحراق نفسه يأسا إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة. وتسبب هذا الحادث بطوفانات غضب أغرقت الشارع فى تونس واضطرت الرئيس زين العابدين بن على إلى الفرار للصحراء السعودية كى ينجو بحياته.
كانت هذه أولى محطات ما بات يسمى «الربيع العربى» الذى سرعان ما انتقل إلى مصر ثم ليبيا فاليمن وحلق فوق البحرين، ليحط بثقله كله فى سوريا. ولايزال الرئيس السورى بشار الأسد هو الدكتاتور الوحيد الذى نجح فى البقاء، لكن بثمن باهظ للغاية هو أكثر من 100.000 قتيل وأكثر من مليونى لاجئ يعيشون فى ظل خطر حقيقى يتهدد حياتهم داخل خيم فى تركيا ولبنان والأردن والعراق.
برأيى، يمكن استخلاص ثمانية استنتاجات فكرية من زلزال «الربيع العربى» الذى لا يزال يهز أركان العالم العربى برمته.
أولا، اختفاء الشباب الذين قادوا انتفاضات الميادين. فالسلطات الجديدة التى قامت بفضلهم، تتجاهل الجيل الذى يطلب حياة عادية وعلاجا جذريا للمشكلات الاقتصادية ولخيبات أمل المواطن البسيط.
من لا يزال يتذكر مثلا نجم «جوجل»، المصرى وائل غنيم الذى تسبب بإخراج مئات الآلاف إلى الميادين؟ ومن لا يزال يتذكر توكل كرمان من اليمن، التى نجحت فى إبعاد الرئيس وفازت بجائزة نوبل وتم إهمالها؟
ثانيا، لم تعد هناك أمة عربية موحدة، فالعالم العربى فى نظر الأجنبى بات خاضعا لإعادة تعريف. ولم يعد ثمة «محور شر» يضم الإسلاميين مؤيدى الإرهاب مقابل «المعسكر المعتدل» الذى يمكن عقد صفقات سياسية وغيرها معه. من الآن فصاعدا، الحديث يدور حول مسلمين سنيين فى مقابل مسلمين شيعة، وهؤلاء الأخيرون هم الذى يصنعون فى الآونة الأخيرة العناوين الصحفية المثيرة.
ثالثا، طُويت جميع الأحلام بمستقبل اقتصادى أفضل، فمصر تغرق وليبيا تخوض حروبا داخلية طاحنة وتونس تثير ذعر الغرب. ليس هذا فحسب، لكن أيضا لم تعد السعودية تعنى الكثير بالنسبة إلى الرئيس الأمريكى باراك أوباما الذى يتدبر أموره مع احتياطى النفط وبإمكانه أن يستخف بمعارف الولايات المتحدة القدماء فى قصور الرياض.
رابعا، إن النساء فى العالم العربى هن أكبر الخاسرات، فبعد أن أدين أدوارا رئيسية فى التظاهرات ركلتهن السلطات الجديدة جانبا.
خامسا، إيران هى الرابح الأكبر. فقبل أن تجُر هى أيضا إلى انتفاضة الشارع، عرفت السلطة فى طهران كيف تستميل الجيل الشاب من خلال رئيس ينثر الوعود.
سادسا، ثمة رابح آخر من «الربيع العربى» هو دولة إقليم كردستان الآخذة فى النشوء. ففى هذا الإقليم ثمة مؤسسات حكومية انفصلت عن العراق، وثمة اقتصاد ينمو ويجذب المستثمرين، وثمة سياح ومطاعم ومؤسسات تربوية وخدمات للمواطنين. إن كل من عاد من أربيل عاصمة الإقليم (بمن فى ذلك إسرائيليون)، يحكى الكثير من القصص الشبيهة بالمعجزات والعجائب عن العمل الكردى الدءوب الذى يجرى فى الاقليم على قدم وساق.
سابعا، حدث تحول حاد فى الإعلام، فقناة «الجزيرة» القطرية تلقت ضربة من حيث نسبة المشاهدين بسبب دعمها للحركات الإسلامية. وفى الوقت الذى مازالت فيه السلطات العربية تعتمد على صحفيى البلاط، أخذت تنمو شبكات التواصل الاجتماعى وتمكنت شبكة «تويتر» من التغلب على شبكة «فيسبوك». وهكذا، فإن كل من يخشى التظاهر فى الميدان بات يجلس وراء حاسوب، وكل من يعرف الطباعة أصبح صحفيا.
ثامنا، إن اصطفاف القوى الجديد كان بإمكانه بسهولة أن يعمق صلة إسرائيل بمعسكر الذين خابت آمالهم من أوباما، ولا سيما فى ضوء وجود مصالح مشتركة ومواجهة العدو نفسه. غير أن زلزال «الربيع العربى» لم ينجح فى إلغاء معارضة التطبيع (مع إسرائيل). وبناء على ذلك، لا يبقى أمامنا سوى أن نعمل من تحت الطاولة، وأن يستمر الجانب الآخر فى خسارة كل ما كان فى إمكاننا أن نقدمه له.
سمدار بيرى
«يديعوت أحرونوت» ــ محللة الشئون العربية نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية