إن أهم تحدٍّ اجتماعى واجهته إسرائيل هو دمج الأقليات غير الصهيونية ــ العرب والحريديم ــ فى المجتمع. ومما لا شك فيه أن هذا الموضوع يستوجب الاهتمام لأسباب مبدئية مثل الحق فى المساواة بين مواطنى الدولة بغض النظر عن أصلهم، ولغتهم، أو معتقداتهم الدينية، وموقفهم السياسى. وهو موضوع ضرورى لأسباب اقتصادية من أجل تشجيع النمو وتقليص الفجوات الاجتماعية.
إن الزيادة الطبيعية للأقليات التى يشكل أبناؤها نحو نصف تلامذة الروضات، تفرض على الأكثرية إعادة درس علاقتها بهذه الأقليات. لقد حاولت الحكومة الحالية معالجة الموضوع بواسطة سياسة القمع والإكراه، فالظروف السياسية بدت مواتية ولا سيما بعد تشكيل بنيامين نتنياهو ائتلافا حكوميا من دون الحريديم. أما الأحزاب العربية فلم يسبق لها أن شاركت فى الحكومات الإسرائيلية، لكن المواطنين العرب كان لهم فى الماضى تأثير غير مباشر فى تلك الحكومات من خلال الانتخابات، الأمر غير الموجود فيما يتعلق بالائتلاف الحالى المكون من أحزاب يمينية.
لقد سارع نتنياهو مع شريكيه يائير لبيد ونفتالى بينت إلى المس بالنقاط المؤلمة لهاتين الأقليتين. فالحريديم يريدون المحافظة على النمط الخاص لحياتهم، والعرب حساسون خاصة لمصادرة أراضيهم. فقام لبيد وبينت بإعلان قانون «المساواة فى تحمل العبء» وفرض الخدمة العسكرية الإلزامية فى الجيش الإسرائيلى أو الخدمة الأمنية على الشباب الحريدى والعربى. أما نتنياهو ففرض «قانون تسوية مشكلة بدو النقب» (قانون برافر)، وهى تسمية تخفى وراءها عملية إخلاء بالقوة لعشرات الآلاف من المواطنين من سكان القرى «غير المعترف بها». ووافقت الحكومة على إخلاء قرية الحيران البدوية وضمّ أراضيها إلى البؤرة الاستيطانية الدينية ـ القومية حيران، من دون التحدث مع البدو فى هذا الشأن كما كشف الوزير السابق بنى بيجن.
لكن الأقليات لم ترضخ، وناضلت ضد هذه القوانين من خلال التظاهرات والاحتجاجات ومن خلال الخطوات البرلمانية، ونجح نضالها. فالخدمة الإلزامية لن تفرض على الحريديم، و«قانون برافر» وضع على الرف. واستغل الحريديم رغبة نتنياهو فى المحافظة عليهم شركاء محتملين فى الائتلاف.
وعقد أعضاء الكنيست العرب حلفا مؤقتا مع خصومهم من اليمين المتطرف.
تشكل الإنجازات التى حققها الحريديم والعرب شهادة مهمة للديمقراطية الإسرائيلية، وهى تدل أيضا على أن سياسة القمع لا جدوى منها. لقد آن الأوان لاستخلاص الدورس، وبدلا من فرض قوانين جديدة، يتعين على الحكومة العمل لدمج الأقليات بصورة تحترم فيها حاجات هذه الأقليات وتساهم فى تحقيق الأهداف الوطنية.
منذ عودته إلى السلطة قبل بضع سنوات، لم يقم نتنياهو إلا بزيارات قليلة إلى البلدات العربية، ولم يقم بزيارة واحدة إلى البلدات الحريدية. لذا يجب على نتنياهو أن يغير توجهه ويطرق أبواب الأقليات، والعمل معها لتحقيق رؤية وطنية مشتركة.