تقترح الرسالة «السرية» التى أرسلها الرئيس أوباما الشهر الماضى إلى المرشد الأعلى فى إيران على خامنئى، تعاونا أمريكيا- إيرانيا فى الحرب على داعش وعدم استهداف نظام الأسد الذى يحميه النظام فى طهران. واستنادا إلى أخبار أخرى، فإن خامنئى بعث برسالة سرية ردا على رسالة أوباما، ليس من الواضح مضمونها. لكن «الرد العلنى» على كلام واشنطن التصالحى لم يتأخر، فقد دعا خامنئى إلى القضاء على دولة إسرائيل، وصدرت عنه عبارات إضافية تحقيرية من شأنها لو كنا فى حقبة أُخرى، أن تجلسه على مقاعد المتهمين فى محاكمات نورمبرج. ليست هذه الرسالة الأولى للرئيس أوباما إلى خامنئى، بل هى الرابعة منذ سنة 2009. فلدى وصوله إلى البيت الأبيض، قرر الرئيس أوباما وضع حد للعداء القائم بين الولايات المتحدة ونظام آيات الله منذ احتلال السفارة الأمريكية فى طهران سنة 1979. وطرح فى رسالته الأولى رؤيا «تعاون إقليمى متبادل» بين الدولتين. وإذن يواصل أوباما اليوم السياسة التى تبناها فى بداية رئاسته، ويمكن القول إن الحرب «المشتركة» على داعش تشكل محركا مريحا لمحاولة تحقيق هذه السياسة قولا وفعلا.
بيد أن السؤال الملحّ فى هذا الصدد هو كيف سيؤثر ذلك على طبيعة الاتفاق النووى الذى ينتهى الموعد الرسمى للتوصل إليه فى 24 نوفمبر.
والمقصود بذلك هو: هل ستربط الإدارة الأمريكية التعاون فى مسألة داعش، بقبول إيران الشروط المطلوبة منها؟ أم أن الولايات المتحدة هى التى ستتنازل لإيران من أجل التوصل إلى اتفاق، حتى لو لم يكن مثاليا، من أجل إعلان تحقيق «إنجاز»؟ وفى الواقع، فإن ما يقلق إسرائيل ودولا عربية من الحلفاء التقليديين لواشنطن، ظهور تلميحات فى الإعلام الأميركى والغربى عامة، تشير إلى أن المرونة الأمريكية الأحادية الجانب هى البديل المفضل.
ومن بين الحجج التى تطرح فى هذا الشأن أن فى إمكان العالم الانتظار لبعض الوقت، أى أن فى إمكان الغرب انتظار اتفاق أكثر نجاعة فى الموضوع النووى، أو أنه يجدر التأكد من كيفية تصرف طهران. لكن الإدارة الأمريكية مصرة على التوصل إلى اتفاق فعلى فى الموضوع النووى الإيرانى، الأمر الذى ليس الجميع مقتنعا به. وينبغى هنا أن نتذكر أنه بدءا من يناير المقبل سيسيطر الجمهوريون الذين لا يشاركون الإدارة الحالية موقفها، على مجلسى الكونجرس. لذا، فثمة تخوف حقيقى من أن تحاول الإدارة الأمريكية فرض حقائق منتهية فى الفترة الانتقالية. تدّعى الإدارة الأمريكية أن ضغطا جديدا على إيران كما يطالب به الجمهوريون وجزء من الديمقراطيين، من شأنه أن يبعد إيران عن طاولة المفاوضات ويجر أمريكا إلى حرب، كما تعتقد هذه الإدارة أن الجمهور الأمريكى يخشى خطر داعش أكثر من الخطر النووى الإيرانى. لكن ثمة شكوك حيال ذلك، فإيران نفسها من المُسبّبين الرئيسيين للإرهاب العالمى، كما ان الحرب على داعش جعلت أمريكا عمليا، بالإضافة إلى إيران، شريكة مع تنظيمات مصنفة فى جميع المعايير إرهابية، بدءا بحزب الله الشيعى حتى القاعدة وجبهة النصرة السنية. وقد يسأل البعض: مع كل الخطر الحقيقى أو المبالغ به لداعش، وفى ظل الخطر الذى لا يقل أهمية، والمتمثّل فى المتطرفين بقيادة إيران، أليس من الأفضل ترك هؤلاء يحارب بعضهم بعضا من دون وقوف أمريكا إلى جانب أحد الطرفين، ولا سيما أن ذلك ينطوى على ثمن قد يعرّض السلام فى العالم للخطر خلال لأجيال مقبلة؟