نشرت صحيفة جيروزاليم بوست مقالا بتاريخ 16 مايو للكاتب آلان بيكر، يقول فيه أنه بالرغم من أن العديد من القادة فى العالم والمنظمات الدولية يرددون مصطلح حل الدولتين كحل نهائى ووحيد للصراع الإسرائيلى والفلسطينى، إلا أن المصطلح لم يرد ذكره فى أى وثيقة رسمية للسلام ولا فى قرارات الأمم المتحدة. لذلك يرى الكاتب أن المصطلح ليس عبارة يتم التغنى بها بل يحتاج إلى التفاوض بحسن نية لتحقيقه.. نعرض من المقال ما يلى.
لا يمر يوم دون أن يدعو زعيم أو مسئول أو منظمة دولية إلى حل الدولتين باعتباره النتيجة النهائية والمنطقية الوحيدة لتسوية النزاع الإسرائيلى الفلسطينى. تم تبنى حل الدولتين عالميًا من قبل المجتمع الدولى وخاصة الإدارة الأمريكية الحالية باعتباره الدواء السحرى لجميع أمراض النزاع الإسرائيلى الفلسطينى والمشاكل الأخرى فى الشرق الأوسط.
الاتحاد الأوروبى مثلا يعلن فى العديد من بياناته العامة بشكل دورى أنه «لا يزال ملتزمًا بحل عادل وشامل للصراع الإسرائيلى الفلسطينى، على أساس حل الدولتين». كما شدد العاهل الأردنى الملك عبدالله مرارا وتكرارا على ضرورة التوصل إلى سلام عادل وشامل «على أساس حل الدولتين، بما يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة».
وفى 6 مايو الجارى، أثناء إدانتها للهجوم الإرهابى فى بلدة إلعاد الإسرائيلية، حيث قام عدد من الفلسطينيين بقتل ثلاثة مواطنين إسرائيليين أثناء الاحتفال بعيد استقلال إسرائيل، وجدت نائبة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جالينا بورتر، أنه من الضرورى الإشارة إلى «ضرورة تجنب خطوات أحادية الجانب من شأنها أن تؤدى إلى تفاقم التوترات وتجعل من الصعب الحفاظ على قابلية حل الدولتين».
موقف إدارة بايدن يتبنى تصريحات مماثلة للمسئولين والمسئولات فى إدارة أوباما. ففى توضيح امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن لعام 2016 الذى يدين النشاط الاستيطانى الإسرائيلى (القرار 2334)، أشارت ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية سامانثا باور إلى حل الدولتين 12 مرة. وبالمثل، فى خطاب مغادرة الإدارة الأمريكية فى 28 ديسمبر 2016، طالب وزير خارجية أوباما، جون كيرى، بحل الدولتين بما لا يقل عن 24 مرة!
وبناء على ما سلف، يحق للمرء أن يسأل عما إذا كان المسئولون والمسئولات والجهات الفاعلة الدولية الذين يكررون مصطلح «حل الدولتين» تلقائيًا يفهمونه تمامًا فى ضوء تاريخ وحقائق النزاع الإسرائيلى الفلسطينى، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد شكل من التشدق الجماعى أو التمنى؟
• • •
بداية، لم يتم قبول (حل الدولتين) من قبل الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى كحل متفق عليه لنزاعهما، كما أن المصطلح لم يرد فى أى وثيقة رئيسية لعملية السلام، مثل قرارى مجلس الأمن 242 فى عام 1967، وقرار 338 فى عام 1973، أو اتفاقيات أوسلو فى عام 1993.
حتى اقتراح اللجنة الرباعية لعام 2003 الذى قدمته الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة بعنوان «خارطة الطريق لحل دائم على أساس دولتين للنزاع الإسرائيلى الفلسطينى» لم يوافق عليه الطرفان الإسرائيلى والفلسطينى أبدًا، ولكنه كان مشروطًا بـ«حل تفاوضى» بشأن الوضع الدائم للمناطق والعلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.
وبالنسبة لقرارات الأمم المتحدة غير الملزمة التى تم تبنيها منذ عام 2002 فهى تشير إلى «رؤية لمنطقة تعيش فيها دولتان، إسرائيل وفلسطين، جنبًا إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها»، لكن هذه الرؤية لم تكن جزءًا من أى قرار رسمى ملزم أو اتفاق بين الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى.
أما اتفاقات أوسلو، التى لا تزال الأساس الصحيح الوحيد المتفق عليه لحل النزاع، تقرر أن الوضع الدائم للمناطق المتنازع عليها لا يزال قضية مفتوحة للتفاوض. بعبارة أخرى، اتفاقات أوسلو لا تحتوى على أى إشارة إلى حل دولة أو دولتين أو حتى ثلاث!. على العكس من ذلك، أعلن رابين وعرفات فى رسالتين متبادلتين فى 9 سبتمبر 1993 أن «جميع القضايا العالقة المتعلقة بالوضع الدائم سيتم حلها من خلال المفاوضات».
وهكذا، يبدو شعار حل الدولتين، فى أحسن الأحوال، على أنه تمنى، وفى أسوأ الأحوال، محاولة للحكم مسبقًا على نتيجة عملية التفاوض المباشر. فالقضايا الجوهرية الثنائية، كما تصورتها اتفاقيات أوسلو، مثل القدس واللاجئين والمستوطنات والمياه والأمن المتبادل، لن يتم حلها إلا عن طريق المفاوضات وليس عن طريق القرارات السياسية الحزبية أو التصريحات السياسية أو تصريحات القادة الدوليين، أو الأمم المتحدة، أو أى مصدر آخر. وبالمثل، لا يمكن أن يكون الاتفاق على الحدود إلا نتيجة مفاوضات وليس من خلال فرض ترسيم الحدود قبل عام 1967 والتى لم يكن القصد منها بشكل واضح أن تكون بمثابة حدود دولية.
أما رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين، رابين وشارون ونتنياهو، فقد تصوروا شكلا من أشكال الكيان الفلسطينى، ربما دولة منزوعة السلاح، تعيش جنبًا إلى جنب فى صداقة واحترام متبادل مع إسرائيل، مع امتيازات أمنية وسيادية محدودة. ومن المفترض أن تعترف أى دولة من هذا القبيل بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودى، تمامًا كما تعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية كدولة قومية للشعب الفلسطينى.
ومع ذلك، لا يمكن أن يتجسد حل الدولتين من دون إدراك المكونات الأساسية الضرورية التى يحتاجها كيان الدولة الفلسطينية، بما فى ذلك الاستقرار السياسى والاقتصادى، والقيادة الموحدة، والقدرة على تمثيل الشعب الفلسطينى بأكمله، وإنشاء البنية التحتية. وسيحتاج هذا الكيان إلى الالتزام بضمانات قانونية وسياسية وأمنية راسخة بأن لا يسىء استخدام صلاحياته السيادية والمكانة الدولية من أجل انتهاك أو تقويض الاتفاقات.
• • •
صفوة القول، إذا كان حل الدولتين يمكن أن يكون النتيجة النهائية المنطقية للمفاوضات، فإنه لا يمكن ولا ينبغى أن يتم التصريح وكأنه تعويذة أو كلمة طنانة.
حل الدولتين لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التفاوض بحسن نية بين الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى لحل القضايا الخطيرة الناشئة عن الخلاف الطويل والمعقد بينهما.