من هم الذين يخافون من إقامة دولة فلسطينية؟ - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأحد 29 ديسمبر 2024 5:21 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من هم الذين يخافون من إقامة دولة فلسطينية؟

نشر فى : السبت 28 ديسمبر 2024 - 6:10 م | آخر تحديث : السبت 28 ديسمبر 2024 - 6:10 م


عندما يُسأل قادة أحزاب الوسط واليسار عن رأيهم فى كيفية التوصل إلى تسوية نهائية بين الشعبين المقيمَين بأرض إسرائيل واللذان يتساوى عددهما، فإن قادة هذه الأحزاب يترددون فى النطق بعبارة «حل الدولتين»؛ إذ يوضح لهم المستشارون الإعلاميون وخبراء الرأى العام أن الشعب الإسرائيلى، بعد 7 أكتوبر، يخشى فكرة قيام دولة فلسطينية، بغض النظر عن شروط إقامتها. ويرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى نجاح نتنياهو فى شيطنة السلطة الفلسطينية، وذلك، بصورة خاصة، بهدف تبرير دعمه خلال فترات حكمه لتعزيز قوة حركة «حماس» العدائية، وهى عدوة السلطة. أمّا فى المحادثات التى تجرى وراء الأبواب المغلقة، فيعترف هؤلاء القادة بأنه لا يمكن العيش فى هذه الأرض من دون تمكين خمسة ملايين ونصف مليون فلسطينى من العيش فى دولة خاصة بهم، على نحو خُمس مساحة أرض إسرائيل، شرط أن يكون ذلك خاضعا لشروط أمنية.
ومع ما تقدّم، فإننا نُضطر فى وقت مبكر أكثر مما نظن إلى أن نحسم القرار المتعلق بكيفية رغبتنا فى العيش هنا بأمان. وبناء عليه، فمن المهم توضيح الحقائق كما هى.
الحقيقة الأهم هنا هى أن إسرائيل هى الدولة الأقوى بين بحر قزوين والمحيط الأطلسى، وقد ثبت ذلك خلال السنة الماضية. فما التهديد الذى يمكن أن تشكله دولة فلسطينية على إسرائيل القوية هذه؟ هناك حالتان فقط يمكن أن يحدث فيهما هذا التهديد؛ الأولى: إذا تم نشر جيش معادٍ لإسرائيل داخل أراضى الدولة الفلسطينية، والثانية: إذا كانت الدولة الفلسطينية نفسها تحت سيطرة تنظيم «إرهابى» يرفض الاعتراف بوجود إسرائيل. يمكن تلافى الحالة الأولى عبر اشتراط أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وألاّ يتمركز فيها أى جيش أجنبى، وهذا شرط أساسى لأى اتفاق، وإسرائيل قادرة على فرضه.
أمّا تلافى الوضع الثانى فهو أكثر تعقيدا؛ إذ مررنا بهذا السيناريو من قبل، مع الأسف، لأن الحكومة الإسرائيلية ارتكبت كل الأخطاء الممكنة بهدف تمكين «حماس» من السيطرة على غزة. والمخاوف من أن ما حدث فى غلاف غزة ربما يتكرر فى كفر سابا وجلبوع بالضفة ليست بلا أساس. ومع ذلك، فإن هذا ليس قدرا محتوما؛ إذ يمكن لإسرائيل أن تتلافى الأمر تماما من دون أن تفقد طابعها اليهودى، ومن دون الحاجة أيضا إلى السيطرة بالقوة على خمسة ملايين ونصف مليون فلسطينى.
أربعون عاما مرّت منذ أن عيّننى يتسحاق رابين رئيسا للإدارة المدنية فى الضفة الغربية، وخلالها انشغلتُ بالسؤال: كيف نضمن أن المناطق المأهولة بالفلسطينيين والفلسطينيات تُدار من جانب قيادة ترغب فى العيش إلى جانبنا بسلام؟ لقد أجريتُ حوارات معمقة ومفاوضات مع كل زعيم فلسطينى فى تلك المناطق تقريبا، وكل ما أكتبه هنا يستند إلى معرفة عميقة بالشعب الفلسطينى. طبعا لا أحد من هؤلاء مؤيد للصهيونية، لكن جميعهم، بما فى ذلك مَن يسعون لاستبدال أبو مازن، ملتزمون سياسته الرافضة للإرهاب، ويؤمنون بإقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل وعيشها بسلام. وهناك عاملان موضوعيان يدعمان هذا الالتزام.
العامل الأول، هو العداء العميق مع «حماس». ولم يكن من قبيل الصدفة فشل محاولات المصالحة بين «فتح» و«حماس»؛ فـ «حماس»، الضاربة جذورها فى حركة الإخوان المسلمين، ترفض أى شراكة فى الحكم، وأهدافها لا تتمثل فى إقامة دولة وطنية فلسطينية، إنما «خلافة إسلامية فى الإقليم بأكمله، فى ظل الشريعة الإسلامية، وتطمح إلى إقامة دولة دينية». أمّا الحركة الوطنية الفلسطينية العلمانية، التى تُعد «فتح» رأس الحربة فيها، فتسعى لإقامة دولة قومية علمانية حديثة. ولا يوجد مجال للتوفيق بين هذين التوجهين المتناقضين، ولا التنازل عن السلطة. لذلك، فإن المصالحة السياسية بين المنظمتين مستحيلة، باستثناء بعض التفاهمات التكتيكية القصيرة المدى. و«تتشارك القيادة الوطنية الفلسطينية العلمانية وإسرائيل عدوا مشتركا، وهو حركة «حماس». ولهذا السبب، فقد نجح التنسيق الأمنى واستمر على الرغم من العداء الإسرائيلى - الفلسطينى.
وتهدف «حماس» إلى السيطرة على الضفة الغربية، والانتقام من عناصر السلطة الفلسطينية، وشن حملة «إرهابية» ضد إسرائيل على غرار ما حدث فى 7 أكتوبر. ومن المؤسف أن الأموال التى حُولت إلى «حماس» بمباركة الحكومة الإسرائيلية استُخدمت أيضا فى بناء بنية تحتية لـ «الإرهاب» فى الضفة الغربية.
أمّا العامل الثانى الذى يستوجب التعايش والتنسيق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، فهو العامل الاقتصادى؛ إذ يبلغ الناتج المحلى الإجمالى للفرد فى الضفة الغربية نحو 3 آلاف دولار، بينما يبلغ فى إسرائيل نحو 52 ألف دولار، أى نحو 17 ضعفا. ولا توجد أى فرصة لإقامة مجتمع فلسطينى حديث ومزدهر من دون تعاون اقتصادى وثيق مع إسرائيل، ولن تستطيع أى دولة عربية تقديم الفرص الاقتصادية التى تستطيع إسرائيل الجارة تقديمها إلى الدولة الفلسطينية، وجميع القادة الفلسطينيين يدركون ذلك. فإذا ما أرادوا إقامة دولة مزدهرة، فَهُم فى حاجة إلى العيش بسلام مع إسرائيل. ونظرا إلى الارتباط الأمنى والاقتصادى، فإننا يمكننا أن نفهم السبب إذا كنا حكماء وليس فقط أقوياء، فإنه ينبغى علينا ألاّ نخشى وجود دولة فلسطينية إلى جانبنا.

إفرايم سنيه
جنرال إسرائيلى متقاعد
يديعوت أحرونوت

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات