البيئة بموقعها ومكوناتها تصبغ ما فيها ومن فيها بالسلوكيات المختلفة والطباع المتنوعة، الإيجابي منها والسلبي، المقبول منها والمرفوض، ما تطرف منها و ما توسط .
فحالة المناخ حار كان أو باردًا أو معتدلاً تؤثر على مزاج الإنسان، وبالتالي تؤثر على طباعه وسلوكه. ونوع التربة والمناخ معًا يحددان ما تنتجه الأرض من نباتات و محاصيل تحدد غذاء الإنسان و كساءه ودواءه .
وما تنتجه الأرض من نباتات، وما تحتويه التربة والصخور من معادن، وما تخبئه الأرض من نفط و مياه جوفية، وهو ما يمكن التعبير عنه بالموارد الطبيعية؛ كلها أشياء تحدد النشاط التجاري والصناعات والمنتجات وفرص العمل والتطور .
أما الموقع الجغرافي المتمثل في القارة التي ينتمي لها البلد وحدوده إلى جانب النقاط التي سلف ذكرها، تحدد أهمية البلد وفرص التنمية فيه ومقدار التنافس والمطامع، الذي يمكن أن يتعرض لها.
العجيب في الأمر، أنه عند دراسة المكونات البيئية والموارد والموقع الجغرافي لأي بلد، فسنجد الله سبحانه وتعالى قد وهبه أشياء ومنع عنه أخرى إلا مصر . نعم مصر التي وهبها الله وحباها كل شيء.
فمناخها حار بمتوسط درجة حرارة 20ْ- 25ْ (وهي درجة حرارة معتدلة لا هي شديدة الحرارة و لا هي بالباردة) جاف ( نسبة الرطوبة قليلة وبالتالي تقل فيه الأمراض) قاري (يسمح بانتشار البراري) لذلك تجد المصري معتدل المزاج سمحًا طيبًا.
أما عن التربة ففيها التربة الطينية التي كونها النيل تزرع فيها المحاصيل، والتربة الرملية للنباتات الطبية والنخيل، والتربة الجيرية التي تستخدم مع النوعين الآخرين في شتى الصناعات ( الغذاء، والدواء، والكساء وغيرها) ولو أسهبنا في هذا فلن تنتهي التفاصيل.
أرضها خير، وسماؤها طير، وماؤها نبع، وعين، وبئر، وبحر، ونهر .
في الموقع جعلها الله سرة الأرض تتوسط قارات العالم القديم الثلاث أسيا وأوروبا وأفريقيا، نقطة اتصال، وهمزة وصل تقع على بحرين هما الأحمر والمتوسط ، ومن عجب أنها لا تتلون بلون من حولها، ولكنها تلون من يمر عليها بلونها.
لم يتأثر أهلها بملوحة البحرين ورائحتهما وقسوة أمواجهما، لأن ثمة شريان من الجنة يجري في وسطها لمسافة 1500 كيلومترا هو نهر النيل، أطول أنهار العالم، عذوبته تعادل ملوحتهما وهدوؤه يعادل قسوتهما. صخورها وفيرة المعادن، وجوفها يزخر بالماء والنفط والغاز .
هواؤها مخملي، وترابها فيروزي، وماؤها نيلي، تجلى لها الرب العلي وكلم فيها موسى النبي ، فكانت بهية تقية نقية .
أفاض الله عليها من جميع نعمه، لم يمنع عنها شيء من السماء أو الأرض، رضي الله عنها فأرضاها، فكان المصري رائعًا كبلده، عذبًا كنيلها،خصبًا كطميها، سهلا كواديها، شامخًا كجبالها، فيه خشونة رمالها، وملوحة، وأسرار بحارها وبريق معادنها، أصيل لا يطال ، ومهيب لا ينال، لا يصعب عليه محال ، ولا يبعد عنه منال .
هل هذا كله في مصر، وهل يتحقق هذا في المصريين ؟! نعم والله، ولكنه ركام تراكم، ضباب تكاثف، وران ما ران، فبعدت الآمال وهي قريبة، وتاهت الحقيقة وهي بين أيدينا.
إنها مصر التي لا تحتاج بما فيها و من فيها إلى عون من أحد ولا إلى مساعدة من بلد، فمصر هي البلد والولد، والعدة والعدد، ولكنها تحتاج إلى عزم أكيد، وقلب شديد.
استنهضوا هممكم يا شباب مصر، استلهموا الجد والمجد من أجدادكم ، واستحثوا العزيمة في قلوبكم، واستنفروا التاريخ في أرواحكم ، لا يهزمنكم الوهن، لا تفتن في عضدكم المحن، خير مصر في أيديكم لا ينضب ولا ينفد فلا يخرجن من بينها، فهلموا إليه بالسعي والعمل تخرج خيراتها بلا حدود؛ إنها كنانة الله وفيها نيل الكنانة.