السلاحف البحرية تستخدم الـ جي.بي.إس للوصول إلى أماكن الغذاء
آخر تحديث: السبت 1 مارس 2025 - 12:16 م بتوقيت القاهرة
سان فرانسيسكو - د ب أ
احتار علماء الأحياء البحرية كثيرا لمعرفة السر الذي يجعل السلاحف البحرية تقوم بحركات دائرية راقصة في كل مرة تصل فيها إلى أماكن بعينها في البحار أو المحيطات. وطرح باحثون فرضية أن تكون هذه السلوكيات غير المألوفة لها صلة بالوصول إلى أماكن معينة يتوافر فيها الغذاء، أو بمعنى أدق الوصول إلى الأماكن التي سبق لهذه الزواحف البحرية أن عثرت فيها على الغذاء في مرات سابقة.
وشرع فريق من الباحثين في الولايات المتحدة في اختبار هذه الفرضية العلمية ومحاولة تحديد ما إذا كانت فصيلة معينة من السلاحف البحرية تحمل اسم "السلاحف ضخمة الرأس " تستطيع أن تتذكر اماكن توافر الغذاء، وهو ما يدفعها للقيام بهذه الحركات غير المعتادة عند الوصول إليها في كل مرة، وتوصلوا من خلال دراسة نشرتها الدورية العلمية Nature إلى أن السلاحف تقوم بهذه الرقصات الدائرية عندما تقابل ظروفا مغناطيسية معينة تقترن لديها بتوافر الغذاء في أماكن بعينها.
وتقول كايلا جوفورث خبيرة الأحياء البحرية بجامعة تكساس إيه إند إم الأمريكية ورئيس فريق الدراسة إن هذه النتائج تكشف أن السلاحف مكتلة الرأس تستطيع التعرف على البصمة المغناطيسية لمواقع بعينها، وهو ما يساعدها في رسم خرائط مغناطيسية للأماكن على غرار نظام التموضع العالمي عبر الأقمار الصناعية الذي يعرف باسم نظام "جي.بي.إس". وتشتهر السلاحف البحرية بشكل عام بقدرتها على الهجرة لمسافات طويلة حيث تقطع آلاف الأميال دون أن تضل طريقها عن الوجهة التي تقصدها.
وتعود كثير من السلاحف عام تلو الآخر إلى نفس الأماكن التي يتوافر فيها الغذاء أو إلى نفس السواحل التي تضع فيها البيض. وظل الباحثون يعتقدون لسنوات أن السلاحف تعتمد على المجالات المغناطيسية للأرض لتحديد اتجاهها للوصول إلى الأماكن التي تقصدها كما لو كانت مجهزة ببوصلة داخلية. ولكن الإبحار إلى مكان بعينه يتطلب في حقيقة الأمر اكثر من مجرد اتجاه، بل يستلزم وجود احداثيات للوجهة التي تقصدها السلاحف. ومن هذا المنطلق، طرح بعض العلماء نظرية مفادها أن السلاحف تستطيع معرفة الإحداثيات المغناطيسية الخاصة بأماكن الغذاء وشواطئ وضع البيض على نحو شبيه بطريقة عمل نظام ال"جي.بي.إس".
ومن أجل اختبار صحة هذه النظرية، جمعت الباحثة جوفورث مجموعة من السلاحف البحرية الصغيرة من جزيرة قبالة ولاية نورث كارولينا الامريكية، ووضعتها في أوعية تحتوي على الماء داخل المختبر مع توصيلها بسلك يمر عبره تيار كهربائي لخلق مجال مغناطيسي داخل الوعاء. وقام الباحثون بضبط قوة الحقل المغناطيسي بحيث تتشابه مع الظروف المغناطيسية الموجودة في مواقع معينة في خليج المكسيك أو قبالة سواحل ولاية مين الامريكية. وكان يتم تعريض كل سلحفاة صغيرة لمجالين مغناطيسين مختلفين لفترات متساوية مع الوقت على مدار شهرين، مع تغذية السلاحف أثناء تعريضها لأحد هذه المجالات المغناطيسية دون الآخر. وفي مرحلة تالية من التجربة، كان يتم تعريض السلاحف الصغيرة لنفس المجالين المغناطيسيين دون تقديم الغذاء لهما على الإطلاق.
ووجد الباحثون أن السلاحف تقوم بنفس الحركات الدائرية الراقصة في كل مرة يتم تعريضها للمجال المغناطيسي الذي اقترن لديها بتوافر الغذاء، حتى في المرات التي لا يتم فيها تقديم الغذاء لها، وهو ما يدعم فرضية أن تلك الزواحف استطاعت تحديد الاحداثيات المغناطيسية التي تقترن بتوافر الغذاء، سواء إن كان الغذاء متوافر فعليا أو لا. وتقول الباحثة جوفورث في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني "ساينتفيك أمريكان" المتخصص في الأبحاث العلمية إنه تم رصد خواص مماثلة لدى أسماك السلمون التي تقطع رحلتها عبر المحيطات للوصول إلى أماكن غذاء بعينها. وتفسر الباحثة المتخصصة في الأحياء البحرية تلك الرقصات التي تقوم بها السلاحف باعتبارها "تعبيرا عن الشعور بالحماس نظرا لوصولها لأماكن الطعام".
وللتيقن بشأن ما إذا كانت السلاحف البحرية يمكنها تذكر تلك الاحداثيات المكانية بعد مرور فترات أطول من الوقت، أعاد الفريق البحثي اختبار السلاحف بعد مرور عدة أشهر دون تعريضها للمجالات المغناطيسية، وتبين لديهم أن السلاحف تظل تقوم بالحركات الراقصة في كل مرة تقابل فيها ظروف مغناطيسية معينة تقترن لديها بتوافر الغذاء. وتعتقد جوفورث أن السلاحف تستطيع على الأرجح تذكر الاحداثيات المغناطيسية لعدة سنوات أو عقود من الزمن، مضيفة: "في الحياة البحرية، تستطيع السلاحف تذكر المعلومات بشأن أماكن الغذاء أو سواحل وضع البيض لفترات تصل إلى عشرين عاما".
وعمدت جوفورث وزملاؤها إلى اختبار ما إذا كانت قدرة السلاحف على رسم الخرائط المغناطيسية ترتبط بالبوصلة الداخلية لديها والتي تساعدها على تحديد الاتجاهات، أم أنها وظيفة حيوية مختلفة تتمتع بها، فقام الباحثون بتكرار التجربة مع تعريض السلاحف لموجات راديو كهرومغناطيسية للتشويش على قدرتها على تحديد الاتجاه، ولكنهم وجدوا أن السلاحف يظل بمقدورها التعرف على الاحداثيات المغناطيسية.
وتؤكد هذه التجربة أن السلاحف البحرية لديها بالفعل حاستين مختلفتين لرصد المجالات المغناطيسية، في الوقت الذي اثبتت فيها دراسات سابقة أن بعض الطيور لديها أيضا منظومتين مزدوجتين لرصد نفس المجالات. ومن جانبها تعتقد جوثورث وزملاؤها أن هذه الحاسة المغناطيسية هي سمة مشتركة لدى الكائنات الفقارية تحملها معها في "حقيبة سفرها" مثل جهاز التموضع (جي.بي.إس) وتسترشد بها للوصول إلى مقاصدها.