فرحه في الجنة.. قصة حب سائق ميكروباص الموت وخطيبته.. جمعهما الكفاح وفرقهما القدر ودفنا معا
آخر تحديث: الثلاثاء 1 يوليه 2025 - 5:52 ص بتوقيت القاهرة
محمد شعبان
في منزل بسيط بقرية كفر السنابسة، تحولت مظاهر الفرح إلى سرادق عزاء، وتبدلت الزغاريد بالصراخ والبكاء، هنا، كان يستعد الشاب أدهم 24 عامًا لخطبته، يجلس والده المنهار على الأرض، لا يقوى على شيء سوى ترديد كلمات ممزقة بالألم عن ابنه الذي كان «شجاعا قويا»، ففقد حياته في حادث مروع أودى بحياة 18 فتاة من زهرات مصر كن في طريقهن لكسب لقمة العيش.
يروي الأب المكلوم بصوت متحشرج، للإعلامية ريهام السعيد: «ابني كان راجل طاهر وشجاع وقوي، وفيه كل الصفات الحلوة اللي ربنا خلقها، الناس الغريبة كانت تبيّته في بيوتها من ثقتها فيه، ابني راح عند اللي أحسن مني».
أدهم، الذي وصفه والده بأنه كان «عمره كله»، لم يكن مجرد ابن، إنما كان السند والعائل الوحيد للأسرة بعد أن أقعد المرض والده، ليبدأ رحلة الكفاح منذ كان عمره 8 سنوات، ويترك التعليم بعد المرحلة الإعدادية ليعمل في الزراعة ثم كسائق، ليتمكن من إعالة والديه وتزويج شقيقته.
وتروي والدته أنه كان شديد الحرص على الفتيات اللاتي ينقلهن يوميا، قائلة: «الدنيا كلها بتحبه والبنات كلها كانت تعزه».
ويؤكد والد أدهم المكلوم: «ابني فضل يحاول في العربية لغاية آخر نفس في عمره، والسواق عدى التريتوار من قلة الضمير والرحمة».
ويضيف بصوت يخنقه الألم، «ابني اتهم، أنه نط من العربية من العالم اللي ما عندهاش ضمير، وابني ميت في العربية والعربية فوق منه.. شهادة الناس الفلاحين قالوا إن اللي سايق الميكروباص الله يبارك له فضل يفادي يفادي، والنقل داخل عليه داخل عليه داخل عليه لغاية ما طلع فوق ابني وفوق البنات».
ويكشف الأب عم محمد، أن أدهم كان يستعد لخطبة فتاة أحلامه في اليوم التالي الجمعة؛ لكن الأقدار شاءت أن يكون هذا اليوم هو موعد جنازته، فيقول الأب وهو يغالب دموعه: «فرح ابني كان يوم الجمعة، في الجنة إن شاء الله، فرحه ما شفتش زيه فرح في الجمهورية كلها، ابني اتجوز جوازة بالصلاة على النبي، زينة الرجال والشباب».
وتضيف الأم أن خطيبة ابنه «ملك» كانت هي الأخرى ضمن ضحايا الحادث لقيا مصرعهما معا، قائلة: «كنا مجهزين له الجاتوه والشوكولاتة، وذهب إلى الحلاق وأشترى القميص والبنطلون».
ولخص والد أدهم، الذي كان هو نفسه يعمل لإعالة أسرته المريضة، جوهر المأساة، مشيرا إلى أن ابنته هي الأخرى تعمل، متسائلا بنبرة مكسورة: «أومال هتوكلنا منين؟ البنت بتغيب عن أهلها ساعة ليه؟ لا هي محتاجة القرش، أمها محتاجة القرش، أبوها محتاج القرش، إيه اللي كان هيطلعها؟».
وروى والد الشهيد سائق ميكروباص المنوفية، لحظة دخوله إلى استقبال المستشفى للتعرف على جثة ابنه، تلك اللحظة التي لم يستطع معها الصمود وانهار على الأرض.
«أنا داخل الاستقبال، يا أدهم! الله أعلم إذا كانت تمرجية ولا تمرجي، قال لي: تعالى ربنا يعوض عليك، الصبر من عند ربنا، صبّر الدنيا والآخرة، بقيت نتكفأ على وشي أنا وأمه ورا بعضنا».
ووسط حزنه، وجه الأب الذي يعاني من المرض وأصبح عاجزا عن العمل، نداءً إنسانيا إلى المسئولين، كاشفا عن أحلام ابنه البسيطة التي لم تكتمل، قائلا: «كانت أمنية حياته يجيب بيت وعربية ويعمل عملية لأمه، يا ريت تخدموني وتأخدوا الرخصة وتطلعوا لي معاش، عشان أقدر أصرف على بنتي».