بعد واقعة طفل البلكونة.. بين العنف والتربية الإيجابية كيف نربي أبناءنا؟

آخر تحديث: الأربعاء 2 يوليه 2025 - 10:42 ص بتوقيت القاهرة

سوزان سعيد

تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لأب يعنف طفله ويركله بقدمه داخل شرفة منزلهم، بمدينة العاشر من رمضان، التابعة لمحافظة الشرقية، مع إطلاق الطفل لصيحات واستغاثات، سمعتها أحد الجيران، والتي صورت الواقعة بهاتفها المحمول، ثم رفعتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

انتشر المقطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى وصل إلى المجلس القومي للأمومة والطفولة، والذي قدم بدوره بلاغًا لمكتب حماية الطفل، ليتم القبض على الأب، وإيداع الطفل لدار رعاية.

وفي حوار سابق أجرته الشروق مع والدة "طفل البلكونة"، أكدت أن الأب ضرب الابن في محاولة لردعه بسبب "سلوكه المشين"، والمتمثل في السرقة بشكل متكرر، وأن زوجها نصح ابنه أكثر من مرة، بالتوقف عن السرقة دون جدوى، مضيفة أن تعنيف الأب للطفل في شرفة المنزل، جاءت بعد سرقته لموبايل شقيقه وبيعه لشراء السجائر.

سادت حالة من الجدل بين المصريين، بين مؤيد لما حدث للأب، باعتبار ما فعله عنفًا غير مقبول يستوجب الردع، ومعارض لإيداع الوالد في السجن، لأنه يكرس لتفسخ الأسرة المصرية، وغياب القيم، عبر تهميش سلطة الآباء على أبنائهم.

وهنا تبز الكثير من الأسئلة، ما هو مفهوم التربية؟ وهل الضرب وسيلة خاطئة لتربية الأبناء أم أنه مطلوب أحيانًا للردع عن تكرار السلوك الخاطئ؟ وهل التربية الإيجابية تفتقد للردع؟ يجيب التقرير التالي عن هذه الأسئلة.

التفكك الأسري وغياب رقابة الوالدين

تقول الدكتورة إيمان نافع مدرس بقسم علم النفس التربوي بكلية التربية جامعة الزقازيق، لـ"الشروق"، إن التفكك الأسري هو سبب السلوك العدواني للأبناء، وأن تكرار الطفل صاحب الواقعة الأخيرة لفعل السرقة والتدخين، يعكس غياب رقابة الوالدين، وخاصة الأم، متسائلة: "أين كانت الأم عندما أصبح ابنها الذي لم يتجاوز العاشرة مدخنًا؟".

تربية أم رعاية

من جانبها، قالت هبة الطماوي، أخصائي الإرشاد الأسري والتربوي وتعديل سلوك الأطفال والمراهقين، وصاحبة مبادرة "أمان أطفال مصر"، ومؤلفة كتاب "تربية تفخرين بنتائجها بعيدًا عن وهم المثالية"، إن الكثير من الآباء والأمهات يخلطون بين التربية والرعاية، موضحة أن التربية تعني غرس القيم والمعتقدات داخل عقول الأبناء، ومراقبة سلوكياتهم وتقويمها عند الضرورة، بالإضافة إلى تلبية احتياجاتهم العاطفية والنفسية فيما تقتصر مهام رعاية الأبناء على توفير احتياجاتهم البيولوجية من مأكل ومشرب وملبس وخلافه.

وأضافت لـ"الشروق"، أن التربية هي واجب الوالدين تجاه أبنائهم، ولا يمكن أن يقوم بها أحد سواهم، بينما مهام الرعاية يمكن أن يقوم بها أي شخص آخر مقابل أجر مادي.

ضرب الأبناء.. تهديد لحياة الأسرة وبوابة للمرض النفسي

وعن العنف الجسدي من الآباء تجاه أبنائهم، حذرت نافع، من العنف الجسدي المتكرر تجاه الأبناء، والذي قد يودي بحياتهم، مضيفة أن ضرب الأبناء بشكل مبالغ فيه قد يدفعهم إلى إيذاء الوالدين.

وأوضحت الطماوي أن العنف الجسدي تجاه الأبناء ينتج عنه إيذاء بدني ونفسي، قائلة إن الكدمات والجروح البدنية من السهل علاجها، أما الألم النفسي الناتج عن الضرب يظل مصاحبًا للشخص لسنوات طويلة، ليظهر فيما بعد في صورة أمراض مثل التنمر أو النرجسية.

العدوانية أو الضعف

وذكرت أن الأبناء يكتسبون السلوك الحسن أو العنيف من مراقبة سلوك الوالدين، وأن ممارسة العنف اللفظي والجسدي يهين كرامة الأبناء، خاصة إذا حدث أمام أشخاص من خارج الأسرة، مضيفة أنه ينتج أحد نموذجين، إما شخص يمارس العنف مع الآخرين تمامًا كما حدث معه، أو على النقيض شخص ضعيف لا يقوى على مواجهة تحديات الحياة، بالإضافة إلى بحثه عن القبول لدى الآخرين بأي ثمن.

أثار ضرب الفتيات كارثية

وحذرت من استخدام العنف الجسدي في تربية الفتيات، ووصفته بأنه "كارثة"، موضحة أن النسبة الأكبر من البنات اللاتي تتعرضن للضرب من والديهم، تعاني من الضعف والهشاشة النفسية، وتبحث عن القبول لدى الآخرين، ما يجعلها عرضة للاستغلال الجسدي والمادي على حد سواء.

 يعكس فشلا في التواصل

وفي ذات السياق ذكرت نافع، أن العنف الجسدي تجاه الأبناء، يعكس فشلًا في التواصل معهم، قائلة: "الطفل الذي تربى بشكل صحيح، تكفي كلمات التوبيخ لردعه، وليس بحاجة إلى الضرب".

الدافع من السلوك المنحرف

وعن تقويم السلوك المنحرف للطفل والذي يتكرر باستمرار، مثل الكذب أو السرقة وخلافه، شددت الطماوي، على أهمية بحث الوالدين عن الدافع لهذا السلوك، بدلًا من ضرب الأبناء، موضحة أن الاستعانة بجلسات الإرشاد النفسي والأسري، بالرغم من ارتفاع تكلفتها، أصبحت ضرورة في هذا الوقت، لأن التحديات التي تواجه تربية الأبناء كبيرة.

أساليب أخرى للردع

ولفتت نافع، إلى وجود أساليب أخرى للدرع، مثل منع الابن من الخروج من المنزل، أو حرمانه من المصروف أو الهاتف المحمول، بالإضافة إلى تشديد الرقابة، موضحة أن اللجوء للضرب يأتي كبديل أخير بعد تعذر الحلول السابقة، وبشرط أن لا يكون مؤذي.

الحب وليس الضرب

وأوضحت أن قيام الأم بدورها تجاه أبنائها واحتواء مشاكلهم هو الضمان لتقويم سلوكياتهم الخاطئة، مؤكدة أن الطفل يتجاوب عندما يجد الحنان والتفهم لمشاكله، بالإضافة الى احترام عقليته.

التربية الإيجابية ليست تدليل زائد

وعن مفهوم التربية الإيجابية الذي تم تداوله خلال الفترة الأخيرة، قالت الطماوي، إنها تعني تلبية الوالدين لاحتياجات أبنائهم النفسية والعاطفية، ما يقوي سلوك الطفل الإيجابي، موضحة أن تداول مقاطع الفيديو القصيرة عن التربية الإيجابية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ساهم في وصول معلومات قليلة ومجتزأة عنها، ما أدى إلى ارتباطها عند قطاع كبير من الناس بالتدليل الزائد وإفساد الأبناء وهو ليس صحيحًا على الإطلاق.

غرس القيم الدينية والمجتمعية

وفي ذات السياق، شددت نافع على أهمية غرس القيم الدينية والمجتمعية في عقول ووجدان الأبناء من خلال الحوار والنقاش ما يسهم في بناء عقلية ناقدة، قادرة على الحكم على الأفكار بشكل موضوعي، واختيار ما يناسبها وترك الضار، لافتة إلى صعوبة تربية الأبناء في العصر التكنولوجي، في ظل عدم الرقابة على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يتعارض كثيرًا مع قيم المجتمع المصري، والذي يؤثر في الأطفال ويدفعهم لتقليده، بما فيه من سلوكيات خاطئة مثل التدخين أو البلطجة وخلافه.

تفعيل دور الإعلام والمؤسسات الدينية

ولفتت إلى أهمية تفعيل دور مؤسسات الدولة، المتمثل في المجلس القومي للأمومة والطفولة، ومكتب حماية الطفل في الحد من العنف الأسري، ولكنه يتطلب وجود أدلة مثل تصوير واقعة الاعتداء كما حدث مع "طفل البلكونة"، موضحة أن هناك آلاف الحالات التي يمارس فيها أحد الوالدين عنفًا جسديًا تجاه أبنائهم، ولكنها لا تظهر أمام وسائل الإعلام.

وشددت على أهمية قيام المؤسسات الإعلامية والدينية بدورها، من خلال برامج الإرشاد الأسري، وكيفية تربية الأبناء، والتوعية بمخاطر العنف الجسدي تجاه الأبناء، لافتة إلى أهمية عرض النماذج الدينية التاريخية كقدوة للاحتذاء بها في كيفية تعاملهم مع أبنائهم.

وأشارت إلى أن التربية السليمة لا تتطلب الحصول على قسط وافرمن التعليم، بل فطرة سليمة، وفهم صحيح للدين والأعراف والقيم المجتمعية، بدليل أن الأمهات في الريف المصري يربين أبناءهن تربية مثالية بالرغم من تواضع تعليمهن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved