عاقبت محكمة جنايات أسيوط، 6 موظفين بالبنك الزراعي المصري فرع قرية نجع الجزيرة بمركز البداري بأسيوط، متهمين باختلاس والتربح مبلغ 272 مليونا و897 ألفا و508 جنيهات، بالسجن المؤبد للمتهم الأول ورد المبلغ المختلس وغرامة مساوية للمبلغ والعزل من الوظيفة وذلك عن تهمة الاختلاس المرتبط بالتزوير، والسجن 15 عاماً لتهمة التربح.
كما عاقبت المحكمة المتهمة الثانية بالسجن 10 سنوات ورد المبلغ وغرامة مساوية وعزلها من الوظيفة عن تهمة الاختلاس والتزوير، والسجن 15 عاماً عن تهمة التربح. وعاقبت المحكمة المتهم الثالث بالسجن 15 عاماً. وعاقبت المتهم الرابع بالسجن 10 سنوات وعزلهما من وظيفتهما ورد المبلغ وغرامة مساوية عن تهمة التربح.
كما عاقبت المحكمة غيابياً المتهم الخامس بالسجن 10 سنوات والعزل من الوظيفة ورد المبلغ وغرامة مساوية لاتهامه بالتربح والتزوير والإضرار العمدي بالمال العام، ومعاقبة المتهم السادس بالحبس مع الشغل 3 سنوات لاتهامه بالإضرار غير العمدي بالمال العام.
صدر الحكم برئاسة المستشار سامح سعد طه، رئيس المحكمة وعضوية المستشارين أسامة عبد الهادي عبد الرحمن نائب رئيس المحكمة وأحمد محمد غلاب عضو المحكمة، وحضور محمود حلمي رئيس نيابة الأموال العامة بأسيوط، وأمانة سر خميس محمود ومحمد العربي.
كان المستشار فليمون رفعت شاكر المحام العام الأول لنيابات استئناف أسيوط للأموال العامة قد أحال 6 متهمين باختلاس وتزوير في محررات رسمية.
واستمعت هيئة المحكمة إلى مرافعة المستشار محمود حلمي رئيس نيابة الأموال العامة بأسيوط، الذي قال: "جئنا اليوم إلى ساحتكم المقدسة نحمل إليكم كلمة المجتمع الذي منحنا شرف تمثيله في واحدة من القضايا تنشد فيها الحق الذي يحيا في ضمائركم وترفعون شعاره فوق أكتافكم باسم العدل الذي أقسمتم يمين الولاء له كلما نطقت شفاهكم أو خطت أقلامكم، باسم المجتمع الذي أعطانا أمانة تمثيله أمامكم، فحملنا تلك الأمانة بشرف واعتزاز. باسم كل هذا وذاك نحمل إليكم هذه الدعوى التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يصون بها مال الشعب لتكون هذه القضية مثالاً لقضية النفس البشرية الأمارة بالسوء حين يتلاعب بها الشيطان فيزين لها سوء عملها ويمهد لها طريق الضلال."
وتابع: "لقد عصف هؤلاء المتهمون بالمبادئ والفضائل وسفكوا كل القيم الجليلة وأهدروا المال العام وأوقعوا به أضراراً جسيمة، والله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون. تناسى المتهمون أنهم ائتمنوا على حمل الأمانة فلم يرعوها بغية الثواب وهان عليهم التراب، ولو أمهلهم الله لنهبوا من سمائه السحاب فخانوا الأمانة. فاليوم يوم الحساب، يوم حساب الأمة، يوم حساب القانون. فلماذا خنتم أمانتكم التي حملناكم بها؟ ولماذا أفقرتم بنك الشعب، البنك الزراعي المصري؟ رئة الفلاح منقذه من الجراح، لماذا اختلستم أمواله وجعلتم منها مالاً مباحاً؟ ولماذا أثقلتم ظهور أهلنا من الفلاحين المتعاملين مع ذلك البنك بالدين وهم منه براء؟ فهل فعلتم ذلك حرصاً على حال البنك الذي كنتم عليه مؤتمنين؟ أم من أجل حفنة مميزات كنتم لها متمنين؟ فبعد أن أعطاكم البنك السلطة في منح القروض، أزلتم القيود وتعديتم كل الحدود ونهبتم الأموال ووهنت ضمائركم، وبدلاً من أن تتخذوا من الحق سياجاً ومن طهارة اليد أسلوباً، أصبحتم تسعون في الأرض فساداً وتهدرون المال العام وتحطون من شرف الوظيفة العامة. فسقطتم بعد أن رتبتم ودبرتم وتناسيتم أن عين الله الديان لا تنام وأنها لكم في علياء سمائه بالمرصاد. فخاب مسعاكم وانفضح أمركم."
واستكمل: عقب ثورة 30 يونيو ليس ببعيد، بينما كان القائمون على إدارة الدولة مشغولين بالبناء والتعمير، كان المتهمون مشغولين بالخراب والتدمير، ووقائع هذه الدعوى حلقة من حلقات الإثم والفساد، ولكنها كانت الحلقة الأكبر بغياً والأشد جسامة. ولما لا تكون؟ فقد جسدت الفساد في أحط صوره، فساداً من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين، فساد مؤتمن، فساد صراف خزينة ليس بأمين بل هو من الخائنين، فساداً استشرى كداء عضال لا دواء له إلا القطع والبتر والاستئصال. فساد شرذمة من المجرمين تكالبوا على المال العام، تداعوا عليه كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فكأنما الفساد قد ألقى بذوره فأنبت شجرة خبيثة تجدّرت في البنك الزراعي المصري فرع نجع الجزيرة مركز البداري محافظة أسيوط، وتفرّغت في موظفيه. فالمتهم الأول، صراف الخزينة، تجرأ على مال البنك كأنه أرت عن أبيه ملايين، وتصرف فيه فاختلس مبلغا مالياً مقداره 6 مليون و926 ألف و847 جنيهاً. ألم نقل إنها شجرة خبيثة؟ فقد قام بخصم قيمة العمولات البنكية المستحقة على القروض الممنوحة للعملاء بقيمة أزيد من المستحق، وورد لخزينة جهة عمله مختلساً لنفسه قيمة أقل مما تم خصمه فعلياً، الفرق ما بين الخصم والتوريد. ولكن ما السبيل لستر تلك الجريمة؟ لا سبيل لذلك المتهم إلا ارتكاب التزوير في محررات ذلك البنك بالصور الكربونية لإيصالات 24 حسابات. ولأن ربك بالمرصاد، فقد شاء لهذا الفساد أن يوثق فقام المتهم الأول بتدوين المبالغ المالية محل الجريمة في أوراق أعدها لذلك، سماها الخائن أوراق الدشت، أعدها لحساب البنك في نهاية تعاملات اليوم، وكأنهما شركاء لتكون شاهدة على سوء. فهذه الأموال لك فعله؟ وهذه لي. ألم نقل إنها شجرة خبيثة؟ كان المتهم أحد أفرعها، فلتقلعوها من فوق الأرض... فليس لها دواء أو عقار إلا البتر.
واستكمل رئيس النيابة خلال المرافعة: ولننتقل إلى فرع آخر من هذه الشجرة المسمومة، وهي المتهمة الثانية شيرين ك. أ. ف.، شبيهة المتهم الأول وتلميذته، وهو أستاذها. اصطفاها لتكون معه من العاملين المختصين دون غيرها من الموظفين، وليكونا الأموال الخزينة مختلسين، ويكونا لجرائم خزينة البنك كاتمين. ففعلت ما فعله، ها هي تأخذ من الأموال مبلغا قدره تسعة وخمسون ألفاً ومائتان وثلاثة وتسعون جنيهاً بذات الطريقة التي قام بها المتهم الأول أثناء قيامها بالعمل كصراف خزينة بديل في حال غيابه.
وقال رئيس نيابة الأموال العامة خلال المرافعة: ننتقل إلى واقعة جديدة، أبطالها المتهمون من الأول وحتى الخامس، فنضيف لتلك الشجرة المسمومة أفرعاً أخرى هم المتهمون كمال م. ع. ع، وحنا ش. خ.، ومحمد م. ح.، وهؤلاء المتهمون ما كانوا إلا عبيداً لرغباتهم وشهواتهم، شهوة حب المال، والمجنى عليه فيها هو البنك المطعون والفلاحون المهمومون. وكأن الفلاح بعد جهاده يلقى الشقاء لأنه فلاح، وكأن إكرامه محرم، واستغلال بساطته مباح. ويدور في خاطري الآن مشهد البنك وهو يفتح أبوابه لكل فلاح في احتياج يتمنى جوداً من كرام، ولكل طامح في مشروع يحميه من ركب الأيام. إلا أن المتهمين أبوا أن يتم ذلك في سلام، فالبنك قد وثق بهم وأتمنهم، وجعل منهم أعضاء لجان ائتمان، فازدادوا خيانة مستغلين بساطة العملاء وصغار المزارعين بمنحهم قروضاً بالمخالفة لقواعد الائتمان البالغ عددها 17 قاعدة، نصت على أن صرف القروض يكون بناءً على مستندات الحيازة الزراعية الصحيحة، استيفاء شروط التسهيلات الائتمانية، وصرف قروض استثمارية بناءً على معاينات معتمدة من الجهة المختصة، وهو ما لم يتبع. وتعمدوا الإضرار بأموال البنك، وبلغت قيمة هذه الأموال 272 مليون و897 ألف و508 جنيهاً. وكان سبيل المتهمين لذلك ارتكاب التزوير، وكأن التزوير أصبح حلو المذاق. فأثبتوا بكراسات القروض الممنوحة للعملاء استحقاقهم للقروض الممنوحة لهم على خلاف الحقيقة، وكان ذلك بغية الحصول على مميزات الموظفين المؤتمنين الفائقين. وهنا غيرت المتهمة الثانية وتلاعبت في حسابات العملاء على جهاز الحاسب الآلي عن طريق تحويل مديونيات العملاء لحسابات وهمية لإثبات أن هؤلاء العملاء ليس عليهم مستحقات مالية ائتمانية، ليتمكن باقي المتهمين من صرف قروض جديدة بالمخالفة.
واستكمل: كشف تلك الخطايا تقرير لجنة قطاع التفتيش ونظم العمل بالبنك الزراعي المصري قطاع أسيوط، وما كان من النيابة العامة إلا أنها استمعت لـ 301 من العملاء المقترضين، وفوجئت أنهم اتفقوا على رواية واحدة، وهي أنهم وقعوا على تلك القروض، إلا أنهم لا يعلمون ما سطر بأوراقها من مبالغ. ووقفت على كراسات منح القروض النيابة العامة، وكانت المفاجأة الكبرى التي دلّت وأكدت صحة رواية البسطاء من الفلاحين المتعاملين مع البنك، وكشفت كذب الكاذبين الموظفين المؤتمنين. حيث لوحظ أن عدداً من الكراسات موقعة على بياض.