هوليوود تعود بفيلم «Warfare» الأكثر واقعية عن حرب العراق
آخر تحديث: السبت 3 مايو 2025 - 8:19 م بتوقيت القاهرة
تقرير- نوران عرفة:
بعد فترة شهدت انقراض أفلام الحرب الجريئة فى هوليوود، مثل: «إنقاذ الجندى ريان» عن الحرب العالمية، و«سقوط الصقر الأسود»، الذى يصور هزيمة القوات الأمريكية القاسية فى الصومال، وأفلام «13 ساعة»، و«الناجى الوحيد»، عادت مدينة السينما الأمريكية لتقدم أجرأ وأقوى فيلم عن الحرب هو Warfare، بحسب وصف النقاد.
الفيلم عن مهمة فاشلة للقوات الامريكية فى العراق، وتدور أحداثه فى حرب العراق 2006 ، ويصور وحشية الحرب بأسلوب واقعى، حيث شبه بالأفلام الوثائقية مما يجعله من بين الأفضل هذا العام، لأنه «دون أى تزييف»، كما يقول النقاد الغربيون.
حيث يوفر الفيلم تجربة مغامرة، بتصميم صوتى رائع، ويقرب المشاهدين من عنف الحرب، ولا يقوم بتجميلها ، بل يقدمها بصدق، لذا اعتبره نقاد فى تقارير نشرتها صحف ومجلات أمريكية منها «نيويوركر»، و«الجارديان» و«بيزنس ديلى»، الفيلم الحربى الأكثر واقعية على الإطلاق، ووصفته بأنه عمل كلاسيكى محترف يعكس واقع الصراع بشكل مقنع للمشاهد.
يدور الفيلم حول فريق من القوات البحرية الأمريكية خلال حرب غزو العراق، يلجأون إلى منزل عائلة عراقية بعد أن يجدوا أنفسهم محاطين بالقوات العراقية حيث تصبح معركة من أجل البقاء على قيد الحياة.
الفيلم لا يكتفى بسرد قصة واقعية ، بل يختار أن يقدمها فى قالب بصرى وتجريبى يرفض كل ما هو مألوف، حيث يبدو كصرخة فنية ضد الصور النمطية واللمسات الهوليوودية التى لطالما مجدت الحرب فى السينما الأمريكية وأظهرت الأمريكيين أبطالا خياليين.
فى أحدث تجاربه السينمائية، يقدم المخرج البريطانى أليكس جارلاند، بالتعاون مع راى ميندوزا – جندى سابق فى قوات Navy SEAL الأمريكية – فيلم «Warfare».
وقد أجرى الثنائى (جارلاند وميندوزا) مقابلات مع عدد من جنود المارينز القوات الخاصة البحرية السابقين الذى شاركوا فى الحرب لإعداد السيناريو.
لذا يُعلن عنوان الفيلم فى البداية: «يستخدم هذا الفيلم ذكرياتهم المفجعة، وهذه إشارة إلى البداية، فهو فيلم حرب يُعرف بما لا يُقدمه».
ويستند الفيلم إلى عملية حقيقية وقعت فى مدينة الرمادى، عاصمة محافظة الأنبار العراقية، حيث نفذت وحدة من القوات الخاصة الأمريكية مهمة مراقبة دقيقة استمرت لأيام داخل شقة صغيرة.
ففى عام 2006، شهدت الرمادى العراقية معركة عنيفة استمرت من أبريل إلى نوفمبر، وعُرفت بـ "معركة الرمادى الثانية"، وكانت جزءًا من حرب العراق بهدف السيطرة على المدينة.
لكن ما يجعل فيلم "Warfare" مختلفًا هو اختياره ألا يتمحور حول البطولة الفردية أو الاستعراض العسكرى، بل التركيز على تفاصيل «العملية» ككيان جماعى، مجرد من الأسماء والأبطال.
من أول مشهد، يضعنا الفيلم فى مواجهة مباشرة مع تناقضات الحرب، يبدأ بمشهد من فيديو كليب شهير لأغنية Call on Me فى صالة تمرين نسائية، يتابعه الجنود الشباب بنظرات مبهورة.
وفى لقطة واحدة، يربط الفيلم بين الجسد، الرغبة، والتفريغ العاطفى، قبل أن ينتقل بنا فجأة إلى عتمة العراق، حيث لا توجد مشاهد بطولية بل صمت، ترقب، وقلق متصاعد.
ويشارك فى بطولة الفيلم ويلى بولتر (الوحيد الذى ينال مساحة بارزة)، إلى جانب نواه سينتينيو، تشارلز ميلتون، جوزيف كوين، وكيْت كونور، لكن أداءهم يذوب ضمن توليفة جماعية لا تترك مجالًا للتفرد.
فالأداءات هنا مجردة من المبالغات، فى محاولة للاقتراب من الحقيقة، حتى أن الصور الختامية لأشخاص حقيقيين – والتى تُعرض عادةً فى نهاية أفلام السيرة الذاتية – تظهر مشوشة الوجوه، فى انسجام مع فلسفة الفيلم التى ترفض «تمجيد الفرد».
ويلعب التصوير السينمائى، بقيادة ديفيد ج. تومبسون، دورًا محوريًا فى خلق الإحساس بالاختناق والانفصال عن العالم الخارجى.
فالكاميرا لا تغادر الحى، وتبقى محاصرة داخل الجدران، لتترجم «عُزلة» الجنود الذين لا يرون من «العدو» سوى ظلال وأصوات.
ما يميز «Warfare» أكثر من أى شىء، هو الجمع بين تجربة ميندوزا العسكرية ووعى جارلاند السينمائى الذى ينبذ القومية ويبحث عن الصدق البصرى والنفسى.
فالفيلم كُتب استنادًا فقط إلى «ذكريات الجنود» الذين عاشوا تلك اللحظة، دون إضافات درامية أو حوارات مفتعلة أو محاولة إظهار الجندى الأمريكى كشخصية «رامبو»، بل إنسان عادى يحارب ويعانى.
فـ «حرب» ليس فيلم سيرة ذاتية، ولا يُبالى بتقمص الشخصيات إطلاقًا، فهو يُركز على العملية الحربية التى جرت بدلًا من الشخصيات، ولم يتم تقليص الأداء فحسب؛ بل تم تجريدهم عمليًا من شخصيتهم الفردية.
«حرب»، بمعنى آخر، هو عمل واقعى للغاية، وتمرين حول كيفية التخلص من الخوف فى الأماكن المغلقة ببطء، رغم أنه يُظهر الجنود محرومين من أى إحساس واضح بمن أو مكان أعدائهم.
وينتهى فيلم «حرب» كما تنتهى العديد من الأفلام المقتبسة عن أحداث حقيقية: بسلسلة من الصور والشخصيات التى شاهدها المتفرجون وجميعهم من قوات النخبة البحرية الأمريكية (المارينز)، الذين تم طمس وجوههم فى هذه الصور، ربما لأسباب أمنية أو خصوصية.
ويحاول الفيلم أن ينقل «رسالة»، هى أن كل فيلم حرب يعرف أن الحرب هى الجحيم، لكن عددا أقل بكثير يفهم أن الجحيم لا يزال خاضعًا للقواعد واللوائح، لذا يبدو الفيلم كأنه يخوض حربًا خاصة به ضد الاتجاهات الجذابة والأعراف الكلاسيكية سهلة الهضم فى هذا النوع كما تشير مجلة «نيويوركر».
يبدو الفيلم وكأنه «يعمل ضد تيار هوليوود لتلميع أو تبسيط أو سرد الأحداث» كما تقول صحيفة «الجارديان».
فى الفيلم لا توجد معارك ضارية تنتهى فى غضون دقائق، ولا رحلات طويلة تنتهى بنهاية مُريحة مثل بقية الأفلام، إذ تدور أحداث الفيلم فى معظمها فى زمنٍ قريب من الواقع، والمخرجون، الذين يكرهون التسرع فى المشاهد، يُبطئون الأحداث ببراعة تقنية لجعل الفيلم أكثر واقعية.
فى منتصف الفيلم، مثلا تنفجر عبوة ناسفة خارج المبنى السكنى مباشرة، لكن التسلسل الذى يليه، يبين كيف يستعيد الناجون وعيهم تدريجيًا، وسط أجواء مُعتمة بالدخان وأجسادهم المُغطاة بالغبار، يُكافحون للنهوض.
والجنديان «إليوت» و«سام»، يبدوان وكأن مُستقبلات الألم لديهما قد تعطلت، فلم يُدركا فورًا أنهما عانيا من إصاباتٍ خطيرة شلت حركتهما وأشلاء حولهما والموت البطىء ولا يتوقف الرجلان عن الصراخ بعد حقنة مورفين وبعض الضمادات.
لكن يبقى أن فيلم «حرب» حاول التركيز على التاريخ الموثق، لا على مستقبل مُتخيل، لذا يخرج المشاهد من فيلم «حرب»، وصراخ الجنود لا يزال يرن فى أذنيه، ليرى المشاهد، خاصة الأمريكى، حقيقة الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق وأنه «ليس سوى تدخل عنيف ومُضلل» وفق النقاد.
تجاهل الضحايا العراقيين
رغم أن الفيلم يدور داخل منزل تسكنه عائلة عراقية اختاره الجنود لأنه أعجب أحدهم، ويدور لمدة 90 دقيقة داخل المنزل العراقى وبين الأسرة العراقية، إلا أنه يتجاهل رصد مشاعر العراقيين كما الجنود الأمريكيين.
«إن عدم تقديم فيلم «حرب» للجانب الآخر، وأن العائلة العراقية والكشافة أكثر غموضًا بالنسبة لنا من الجنود، أمرٌ يبدو غير عادل وصادق فى آنٍ واحد»، كما تقول صحيفة الجارديان.
وهو اعتراف بفشل الخيال على نطاق واسع ومرعب، وبالآثار المُدمرة للعقل والقتال على المستوى الشخصى.
ويكتفى فى نهاية الفيلم عقب نقل الجنود الأمريكيين القتلى والجرحى، بإظهار العراقيين الذين يحاربون الغزاة كأنهم «متمردون»، كما يكتفى الفيلم بإظهار العائلة العراقية وهى تتفقد بقايا منزلهم المُحطم.