منى أبو النصر: ابتعدت عن الكليشيه الرومانسي في كتاب الحالة السردية للوردة المسحورة
آخر تحديث: الجمعة 4 يوليه 2025 - 6:53 م بتوقيت القاهرة
حوار- محمود عماد:
- الكتاب ينتمى إلى الكتابة النقدية ذات الطابع الثقافى الموسع
- الوردة ليست مجرد رمز جمالى أو زخرفى.. بل هى كيان سردى وثقافى متحوّل
الوردة ذلك الرمز الجمالى البديع، الذى دائما ما يرتبط بالجمال، الهدوء، الحب، والرومانسية. شغلت الوردة الفن، ممثلا فى الأدب، والسينما، والفن بشكل عام استخدمت كرمز فنى يفتح الآفاق لأبعد من كونها مجرد رمز جمالى، أو تعبير عن رومانسية ما، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك إلى رمز إنسانى. وهذا ما قررت الكاتبة منى أبو النصر التفتيش عنه من خلال أحدث كتبها «الحالة السردية للوردة المسحورة»، والصادر حديثا عن دار الشروق، وهو محاولة لفهم تلك الرمزية الفنية العجيبة للوردة فى الأعمال الفنية المختلفة.
وفى محاولة لفهم الكتاب ولأى نوع ينتمى، ولماذا الوردة تحديدا، وفى محاولة موازية لفهم طبيعة كتابة منى أبو النصر فى كتابها الأول، بعد تمرسها فى الكتابة الصحفية، وعن تجربتها العامة، حاورت «الشروق»، منى أبو النصر لمعرفة كل هذا وأكثر.
-عنوان «الحالة السردية للوردة المسحورة» عنوان جذاب للغاية فكيف جاء؟
ـــــ كنت أبحث عن عنوان يحمل قدرة على الإيحاء بعالم الكتاب دون مباشرة، ويعكس فى الوقت ذاته المناخ الفنى والجمالى للنصوص التى أتناولها.
كانت هناك مراوحات طويلة بين فكرتين: الورود التى سحرت الفن، والفن الذى سحر الورود بالتبعية. ومن هنا جاءت «الوردة المسحورة» كعنوان يختزل تلك الحالة ويُكثفها. أما تعبير «الحالة السردية» فقد شعرت أنه أكثر تعبيرًا عن المساحات الواسعة التى تحرّكت فيها الوردة داخل سياقات فنية وسردية مختلفة سواء من حيث رمزيتها، أو حضورها الدرامى، أو تمثّلاتها الفلسفية.
اللافت أن العنوان أربك بعض القراء فى البداية، إذ اعتقدوا أنه عنوان لعمل أدبى أو روائى، بسبب طابعه التخييلى وغير المألوف فى الكتابات النقدية، لكن هذا اللبس كان بالنسبة لى أمرًا إيجابيًا، لأنه يعكس طبيعة الكتاب نفسه: كتاب نقدى ينفتح على الخيال، ويتكئ على السرد كتقنية لتناول الحكاية.
< لماذا الوردة تحديدا.. ما الذى جذبك لهذا الرمز دون غيره؟
ـــــ فى الحقيقة، لم تكن الفكرة واضحة تمامًا حين بدأت الكتابة. ومع الوقت بدأت أنتبه لعالمها الرمزى شديد الثراء، وشديد التناقض فى الوقت نفسه، الأمر الذى أثار لدى شغفا واسعا لتتبع تلك المفارقات الرمزية والمجازية فى محاولة لخلق سياق جديد يطرح رؤية وتحليلا ثقافيًا، وكأنما يخرج من قلب وردة واحدة إلى ما لا حصر له من ورود مُتخيّلة وأسطورية متناسلة عبر الأزمنة والنصوص الفنية. الوردة ليست مجرد رمز جمالى أو زخرفى، بل هى كيان سردى وثقافى متحوّل، تظهر فى كل سياق بلون ومعنى جديد. هذا التعدد المجازى شجعنى على تتبّع مفارقاتها ومحاولة خلق سياق نقدى جديد لها.
< كيف تصنفين الكتاب من وجهة نظرك، لأى نوع ينتمى؟
ـــــ كتاب غير روائى، ينتمى إلى الكتابة النقدية ذات الطابع الثقافى الموسّع. هو دراسة تحليلية تتناول حضور الورود فى الفن، ليس فقط كعنصر بصرى أو زخرفى، بل كرمز محمّل بالمعانى والدلالات، تتبدّل صوره بتبدل المرايا الفنية التى ينعكس من خلالها.
يمكن اعتباره كتابًا يربط بين النقد الجمالى والتحليل الثقافى، يسعى لتفكيك حضور الوردة فى الأدب والسينما والقصيدة والأغنية والفلسفة وغيرها، ويطرح تساؤلات حول رمزيّتها وتحوّلاتها داخل المخيلة الإنسانية والسردية.
< ما المنهج الذى اتبعته فى اختيار الأعمال الفنية والأدبية التى اعتمدت عليها؟
ـــــ حرصت فى اختياراتى على الابتعاد عن الصورة النمطية للوردة بوصفها «كليشيه» رومانسيًا مكررًا، وسعيت إلى تتبع الأعمال الفنية والأدبية التى قدّمت الوردة ضمن مفارقات سردية أو درامية، أو منحتها أبعادًا غير مألوفة. كنت أبحث عن ورود تحمل فى ظهورها أسئلة لا إجابات، ورود تُستخدم كرموز جمالية، ولكنها فى الوقت ذاته تسكن فضاءات المتخيّل الإنسانى والأسطورى، وتتجاوز وظيفتها الزخرفية إلى أدوار رمزية ومجازية أعمق. أردت أن أختبر كيف أن الفن لم يتعامل مع الوردة كعنصر جمالى ساكن، بل طوّرها بوصفها لغة فى ذاتها، تحمل تعددية المعانى، وتُعيد تشكيل دلالاتها بحسب السياق والمُتلقى.
< هل ما زال للوردة قدرة على إلهامنا وسط إيقاع الحياة المتسارع الذى نعيشه الآن؟
ـــــ هذا السؤال نفسه طُرح كثيرا على مدار تاريخ الفن، خاصة فى أوقات الحرب والظُلمة، حيث يصبح كل جميل وكأنه زائد وسط الأسئلة الكبرى، وهذا المحور تعرضت له فى الكتاب بشكل مُفصّل، للوردة قدرتها المستمرة على الإلهام، بل ربما تزداد تلك القدرة كلما تسارعت وتيرة الحياة من حولنا، تظل الوردة كائنا يجبرنا على التمهل، حاولت فى الكتاب أن أستعيد تلك الطبقات، والحالة التى تجسدها الوردة كتمثيل للذات والآخر والعالم، عن تلك المعانى المنسية التى لم تفقد قدرتها على تجديد الدهشة.
< حدثينا عن تجربة النشر مع دار الشروق، وما رأيك فى التجربة؟
ــــــ النشر لدى دار «الشروق» العريقة بما لها من تاريخ طويل وثقة كبيرة لدى القارئ العربى يجعل صدور كتابى الأول معها مصدر سعادة كبير لى. شعرت بوجود تقدير حقيقى لمحتوى الكتاب، وحرص كبير من فريق «الشروق» المحترف على أن يظهر فى أفضل صورة ممكنة والعناية به فى جميع مراحله، من مراجعة وتصميم وإخراج وطباعة وحتى التسويق والتوزيع.
وأتوجه بتحية خاصة للأستاذة أميرة أبو المجد، التى تحمست لفكرة الكتاب منذ بدايتها، وكان لتشجيعها دور كبير فى مواصلتى العمل عليه، كما أننى استفدت كثيرا من الملاحظات على النص، وساهمت فى الوصول به إلى صورته النهائية للقارئ بشكل أفضل.
< بما أنك مارستِ الكتابة الصحفية، وهذا الكتاب كتابة سردية إبداعية من نوع ما، فكيف ترين الجمع بين الاثنين، وكيف يمكن الإفادة من تلك الكتابة إلى تلك الأخرى؟
ــــ الكتابة الصحفية علّمتنى التعبير عن الفكرة بوضوح، وتكثيف اللغة، والكتابة الإبداعية منحتنى الفرصة لمزيد من التعمّق داخل الأفكار، والبحث عن لغة تخصنى، وخلق صور مشحونة بالتأمل دون تكلف. أعتقد أن كل كاتب هو ابن تجربته، ومن المؤكد أن عملى فى الصحافة الأدبية لسنوات وجد طريقه بصورة ما إلى هذا النص، فصارت تجربتى فى هذا الكتاب فرصة للنظر إلى الفنون بعين بحثية وأخرى أدبية.
< ما هو القادم بالنسبة لك؟
ـــــ فى الحقيقة لدى أكثر من فكرة لمشروعات قادمة، ما أعرفه أننى أريد الاستمرار فى استكشاف موضوعات تتعلق بفهم ذواتنا من خلال معالجات غير تقليدية، كما أننى مشغولة بتقديم الفن والفلسفة الجمالية، والنقد الثقافى بأسلوب مُحرّض على التفكير ويثير الأسئلة حول الواقع، لا أستعجل المشروع الجديد، لكنى أسعى للاستعداد له.