حلويات رمضان.. أقدم كنفاني بالإسكندرية يكشف أسرار الصنعة بين الماضي والحاضر
آخر تحديث: الأربعاء 5 مارس 2025 - 11:03 ص بتوقيت القاهرة
دينا النجار
رائحة العجين تفوح في المكان فور اقترابك من محله الصغير الذي يحمل رائحة وملامح الماضي، رجل ستيني يقف بملابس ملطخة بالدقيق، يشتهر في المنطقة بلقب "عم حودة"، تراه يرش الكنافة البلدي، وفي الخلفية صوت إذاعة القرآن الكريم، فيغلب عليك شعور الحنين لهذا المشهد الذي يعيدك إلى ذكريات رمضان قديمًا. ولِمَ لا؟ فقد قلت وندرَت هذه المهنة بعدما حلت محلها الكنافة الآلية في عصر السرعة والتكنولوجيا، كما هو الحال مع معظم المهن والصناعات القديمة.
ابتسامة بشوشة على وجه الرجل المسن وهو يلف خيوط الكنافة بحركات يدوية تُظهر حرفيته، تقطع الصورة الكلاسيكية التي رسمها عقلك في ثوانٍ، وأنت تشاهده وهو يصنع أشهر الحلويات الرمضانية التي تربط بين الأجيال في الماضي والحاضر، وسط المارة والأطفال في الشارع.
-60 عامًا في المهنة
"بقالي صنايعي 62 سنة"، هكذا بدأ عم حودة حديثه مع جريدة "الشروق"، متذكراً سنوات طويلة من العمل والكد، راوياً أسرار المهنة، وكيف أصبح أشهر وأقدم كنفاني في الإسكندرية، يتهافت عليه الزبائن من الصعيد والمحافظات الأخرى، بل امتدت شهرته إلى السعودية والدول العربية، كما ذكر.
-أقدم كنفاني في الإسكندرية
منذ أكثر من 6 عقود، دخل "عم حودة" عالم الحلويات في عام 1973، بعدما ورث الصنعة من والده وهو في السادسة من عمره، ثم شارك شقيقه في العمل، قبل أن يقرر فتح محل صغير للبقالة والكنافة، ليصبح من أشهر الأسماء التي يرتبط بها تاريخ الكنافة والقطايف في الإسكندرية.
-سر الصنعة
"ما دخلتش مدارس، لكن علمت نفسي القراءة والكتابة"، يضيف "عم حودة" مبتسمًا، والعرق يتصبب من جبينه بعد أن انتهى من وصلة عجن الدقيق يدويًا، وهو ما استغرق قرابة نصف ساعة من أصل ساعة وربع لتحضير العجين، أو كما يسميها هو "خدمة العجين"، ويصفها بأنها سر الصنعة الحقيقي الذي يمنح الكنافة نكهة مُميزة، وهو ما يميزها عن نظيرتها المصنوعة آليًا.
-سر حب الناس للكنافة اليدوي
"الناس بتدور على الكنافة اليدوي"، هكذا تحدث "عم حودة" عن سر الكنافة اليدوية المكونة من الماء والدقيق فقط، وأحيانًا اللبن لأولاده وجيرانه والمقربين، مميزًا إياها عن تلك التي تُصنع باستخدام الآلات ويُضاف إليها المواد الكيميائية -حسبما ذكر- كما تحدث عن الأواني التي يستخدمها، مثل النحاس الأحمر والزهر في تحضير الكنافة وكيفية تنظيفها، مشيرًا إلى أن هذه الأدوات لا تقارن بالعجن في الحديد والتسوية على الصاج، حيث يتفاعل العجين مع كل ما سبق ما يؤثر على نكهته ومذاقه.
-النكهات الجديدة
وعن دخول التغييرات على أسواق الحلويات وانتشار ما يُسمى بالتقاليع الجديدة وإضافة الصوصات والنكهات المختلفة مثل الفراولة والشيكولاتة والمانجو وغيرها، ليس فقط كحشو للكنافة، بل طالت العجين أيضًا، يقول "عم حودة"، إنه يتمسك بالنكهات الأصلية التي يحبها زبائنه، ويضيف وهو يتحدث عن الكنافة بالزبيب والسوداني التي كانت ولا تزال المفضلة لدى الكثيرين: "النكهات مش مقبولة زي الأصل".
-طريقة خاصة ورثها من والده
أما عن سر صنع القطايف، فيكشف "عم حودة" عن الطريقة الخاصة التي ورثها عن والده، والتي جعلت من محله الصغير مقصدًا للكثيرين، حيث يستخدم ماء ودقيق وسكر فقط دون إضافة خميرة، لأنه يرى أن الخميرة تُستخدم لصناعة العيش فقط، وليس للحلويات، معقبًا: "الناس بتيجي على السمعة"، مشيرًا إلى أن جودة الخدمة والمذاق والنظافة هي ما يجعل الزبائن يعودون إليه باستمرار.
-زبائن من مختلف الأطياف
"زبائني أكثرهم مسيحيين"، ورغم أن "عم حودة" يعمل في صنع الكنافة والقطايف طوال العام، إلا أن شهر رمضان يبقى موسم الذروة بالنسبة له، حيث تتضاعف الطلبات من الزبائن من مختلف أنحاء مصر وخارجها، ومن المفارقات أن معظم زبائنه الذين يقبلون على شراء الحلويات الرمضانية هم من المسيحيين، مما يعكس تفضيلهم لهذه الحلويات التي ارتبطت بالاحتفالات الرمضانية للمصريين على حد سواء.
-الأسعار والتحديات
لم يغفل "عم حودة"، الذي عاصر ظروفًا اقتصادية مختلفة بسبب حرب أكتوبر كحال جيله في الماضي، عن مسئوليته في ظل ارتفاع الأسعار الحالي وارتفاع تكلفة الخامات الدقيق والغاز والزيت، فهو يشدد دائمًا على ضرورة "أن نرحم الناس ونراعي الظروف الاقتصادية"، مستنكرًا رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه للحلويات، واكتفى برفع سعر الكنافة 10 جنيهات ليصبح سعرها 50 جنيهًا للكيلو، بينما ظلت القطايف بسعر 40 جنيهًا فقط كما كانت في العام الماضي، وهو ما وصفه بالسعر المعقول الذي يمكن للجميع تحمله في ظل طلبات الشهر الكريم، الذي تحول إلى شهر لتكدس الطلبات وزيادة المسئوليات على رب الأسرة.
"كل سنة وأنتم طيبين"، اختتم "عم حودة" حديثه متمنيًا أن يمنحه الله الصحة للاستمرار في المهنة التي أحبها وفضلها، لأنها تذكره بوالده كما يصفها دائمًا وعلمها لنجله ليكمل المسيرة من بعده، ودعا أن يحل شهر رمضان على الجميع بالخير، وعلى جيرانه وأصدقائه وأولاده.