«مملكة الحرير» يتجاوز نمطية الحرب بين الخير والشر فى الصراع على السلطة

آخر تحديث: السبت 5 يوليه 2025 - 9:07 م بتوقيت القاهرة

خالد محمود

• حبكة متقنة وتدرّج درامى منطقى.. وتفوق أبطاله فى الأداء بإيصال المشاعر المعقدة بصدق وحرفية

• كريم محمود عبدالعزيز يقدم تجربة جديدة فى مشواره.. وأحمد غزى «جان» جديد بمواصفات عصره

نجح مسلسل «مملكة الحرير» للمخرج والمؤلف بيتر ميمى فى لفت الأنظار كعمل متميز ومختلف فى الدراما المصرية، يمزج الخيال والفانتازيا مع الصراع السياسى والعائلى.

ظهر نجاح المسلسل مع عرض أولى حلقاته، ليس فقط بأجوائه المثيرة ولكن أيضا لاكتمال عناصر الإبهار والتشويق فى لغة السرد ولما يحمله من حبكة متقنة وتطور درامى متصاعد ومنطقى، إضافة إلى الأداء اللافت لأبطاله الذين شكلوا عنصرًا أساسيًا فى نجاح العمل.

تدور أحداث المسلسل فى عالم فانتازى غير محدد، حيث يتم اغتيال الملك «نور الدين» على يد شقيقه الطامع فى الحكم المعروف بـ«الدهبى»، يتم تهريب أولاده الثلاثة من قبل الخادم «رضوان»، لكنهم يفترقون بعدها، الثلاثة هم: الأمير شمس الدين الذى يطلق عليه أبو العينين نظرا لاختلاف لونى عينيه يتم تربيته بين العبيد وينشأ جنديًّا فى جيشهم ولديه قدرات كبيرة، الأمير جلال الدين يتحول إلى زعيم قطاع طرق، الأميرة جليلة التى تُحتجز وتُجبر على الزواج من ابن عمها.

مع مرور الوقت، تتشابك مصائرهم ويعودون للقاء فى مواجهة ومنافسة على العرش ربما كخصوم، فى إطار ملىء بالإثارة والمفاجآت وفق حبكة متقنة وسيناريو ذكى وحوار ثرى استطاع أن ينقلنا إلى أجواء الحكاية بواقعيتها ورمزيتها التى عكستها الصورة والديكور والملابس.

أبرز ما يميز «مملكة الحرير» هو تطوره الدرامى المتماسك. فالأحداث تبدأ بوتيرة هادئة، تعرفنا على الشخصيات وخلفياتها النفسية والاجتماعية، ثم تتصاعد الأحداث تدريجيًا لتبلغ ذروتها فى منتصف الحلقات، حيث تتشابك المصالح وتتصاعد الصراعات بين الأبطال. لم تكن التحولات مفاجئة أو غير مبررة، بل جاءت نتيجة طبيعية لتطور الشخصيات وخياراتها، مما عزز من واقعية العمل.

ركّز المسلسل على الصراع التقليدى بين الخير والشر، لكنه لم يقدمه بطريقة نمطية. بل منح كل شخصية أبعادًا نفسية وإنسانية جعلت من الصعب تصنيفها فى خانة واحدة. هذا ما جعل المشاهد يتعاطف حتى مع الشخصيات السلبية، لأنه يفهم دوافعها وخلفياتها، وهو أمر يحسب لكاتب العمل الذى أحسن بناء الشخصيات.

من نقاط القوة فى المسلسل الأداء التمثيلى المميز. فقد تمكن أبطال «مملكة الحرير» من إيصال المشاعر المعقدة بصدق، وأظهروا قدرة عالية على التعبير الجسدى والنفسى، خاصة فى المشاهد التى تطلبت انفعالات قوية أو قرارات مصيرية. تميز البطل الرئيسى فى تجسيد صراع الشخصية الداخلى بين الواجب والرغبة.

بينما جسد كريم محمود عبد العزيز دور «شمس الدين»، بحرية كبيرة عبر شخصية أعتقد أنها تشكل منحنى كبيرا فى مشواره وتفكيره وتعكس ذكاءه فى تمرده على الأدوار النمطية والكوميدية رغم نجاحها الجماهيرى، هنا جسد شخصية تجمع بين القوة والتردد فى تقرير مصيرها، تعبيرات عميقة وحائرة بين الماضى والقادم، تميز فى تجسيد صراع الشخصية الداخلى بين الواجب والرغبة، وهى تتطلب قدرات تمثيلية كشف عنها كريم، ولهذا فهو يخوض تحولًا جذريًا على المستوى الدرامى والشخصى بـ«مملكة الحرير».

أيضا أحمد غزى ظهر بدور «جلال الدين»، ابن الملك الذى نشأ وسط قطاع الطرق.. تشعر وأنه ملك مفردات الشخصية بكل هوسها وعوالمها، من لغة وحركة تشعر أنه «جان» جديد بمواصفات عصره، كان ندا حقيقيا لكريم.. لنستمتع بثنائى جديد تطرحه لنا شاشة الدراما، بينما شاهدنا روحا جديدة لأسماء أبو اليزيد فى دور الأميرة «جليلة»، التى تخفى رغبةً جارفة فى الانتقام واستعادة سلطتها.. تألقت فى مشاهد الألم والخيانة والتمرد على الواقع.

وكانت سارة التونسى كـ«ريحانة»، إضافة مهمة ضمن القصر تسهم فى تشابك الأحداث وتمنح الصراع النسائى مذاقا خاصا، وعمرو عبد الجليل فى دور الملك «الدهبى»، الأخ الخائن الذى يقتل اخاه الملك وطامع فى العرش إلى جانبهم يبرز محمود البزاوى الخادم والإنسان المثقف (رضوان)، ويظهر وليد فواز، فى شخصية «جبل» وحسن العدل بشخصية حكيم القصر أما سلوى عثمان، طباخة خانة الليل، ويوسف عمر ابن الدهبى ضعيف الشخصية وغيرهم من الممثلين الذين أجاد اختيارهم المخرج والمؤلف دكتور بيتر ميمى الذى يدهشنا دائما باختيار شخصيات أبطاله ويشكلون حالة ترابط وجدانى مهم مع المشاهد، لديه قدرة على الجاذبية فى أعمال تحفز على الفكر، ويستمر فى تقديم أعمال ذات طابع بصرى متقن ومشحون بالإثارة وربما يوفر أماكن التصوير المتنوعة «ثلاث دول» خلفيات بصرية متعددة ومبهرة مثلما شاهدنا «الحشاشين».

فى «مملكة الحرير» ساهم الإخراج المتقن فى إبراز التفاصيل الدرامية، مع استخدام زوايا تصوير مبتكرة وأجواء لونية خدمت الحالة الشعورية للمشاهد. كما أن الموسيقى التصويرية للموهوب سارى هانى لعبت دورًا مهمًا فى تعزيز الإحساس بالحب، الحزن، والتوتر، مع التنقل السلس بين الأحداث عبر مونتاج ذكى لأحمد حمدى ما جعل المشاهد يعيش اللحظة بكل تفاصيلها.

نجح «مملكة الحرير» بتميّز الفكرة والبنية الفنية العامة، خاصة دمج العمل بين الأكشن والفانتازيا والصراع النفسى.

وهو دون شك يمثل تجربة جديدة فارقة فى الدراما المصرية، بخارطة سرد مختصرة لكنه غنى بالصراعات، والمزج بين البصرى والأسطورى.

قطعا ينتهى المسلسل بخاتمة تجمع بين المفاجأة والعدالة؛ حيث حصلت معظم الشخصيات على ما تستحقه وفقًا لأفعالها، ما يرضى المشاهد ويمنحه شعورًا بالاكتمال. ورغم النهاية المغلقة، تركت بعض الخيوط مفتوحة لاحتمال جزء ثانٍ، مما يثير الفضول دون أن يُخلّ بتماسك القصة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved