رحيل أسطورة الأناقة.. محطات في حياة جورجيو أرماني الذي غيّر وجه الموضة العالمية

آخر تحديث: الجمعة 5 سبتمبر 2025 - 1:37 م بتوقيت القاهرة

منى غنيم

- ترك الطب ليتفرغ لبناء امبراطورية في الأزياء العالمية تقدر بمليارات الدولارات.. وعشقه رجال الأعمال ونجوم هوليوود


- باع سيارته بمبلغ 10 آلاف دولار لتأسيس شركته.. وكانت البساطة والعملية مفتاح تصميماته في الأزياء


- ساهم في العديد من المبادرات الخيرية الموجهة للأطفال ومرضى الإيدز.. وعينته الأمم المتحدة سفيرًا للنوايا الحسنة لشئون اللاجئين



أعلنت دار الأزياء العالمية "جورجيو أرماني" وفاة مؤسسها المصمم الإيطالي الشهير، جورجيو أرماني، الذي ارتبط اسمه لعقود طويلة بالأناقة والرقي بعد أن تمكن من بناء إمبراطورية أزياء تقدر بمليارات الدولارات، وقد رحل "أرماني" في الرابع من شهر سبتمبر الجاري عن عمر ناهز 91 عامًا في منزله محاطًا بأحبائه، بحسب بيان الدار التي أكدت أنه ظل يعمل حتى أيامه الأخيرة منشغلًا بمجموعاته ومشروعاته القائمة والمستقبلية.


ويُعد "أرماني" أحد أبرز الأسماء وأكثرها تأثيرًا في صناعة الأزياء العالمية، وكان قد غاب في يونيو الماضي وللمرة الأولى عن فعاليات أسبوع الموضة في ميلانو أثناء عروض ربيع عام 2026 للأزياء الرجالية، بسبب وعكة صحية لم يُفصح عن طبيعتها، كما كان يستعد هذا الشهر لإطلاق احتفالية كبرى بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيس داره للأزياء، بيد أن المنية وافته قبل أن يتمكن من تحقيق ذلك.

وأعلنت الدار أن إلقاء النظرة الأخيرة على الجثمان سيكون متاحًا لجمهوره ومحبيه يوميّ السبت والأحد القادمين في "مسرح أرماني"، وهو المكان الذي شهد إطلاق مجموعاته الجاهزة للأزياء على مدى سنوات، أما مراسم الجنازة فستُقام في أجواء خاصة بعيدًا عن الإعلام.

وانهالت رسائل العزاء من قادة سياسيين ومصممين عالميين فور الإعلان عن وفاته؛ فقالت المصممة الإيطالية، دوناتيلا فيرساتشي: "لقد فقد العالم اليوم عملاقًا حقيقيًا في مجال الأزياء"، وأضافت: "سيخلد التاريخ اسمه إلى الأبد"، مستعيدة ذكريات المنافسة الشريفة بين شقيقها الراحل، جياني فيرساتشي، و"أرماني" في تسعينيات القرن الماضي.

ونشرت الممثلة الأمريكية، جوليا روبرتس، صورة تجمعها به"واصفة إياه بـ "الصديق الحقيقي" و "الأسطورة"، وقد ظهرت "روبرتس" بإطلالة أيقونية ببدلة "أرماني" في حفل "الجولدن جلوب" عام 1990، كما أشادت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، والتي عُرفت بارتداء ملابس من توقيعه في المناسبات الرسمية، بالفقيد، قائلة: "لقد كان رمزًا للأناقة والرزانة والإبداع، وتجسيدًا لأفضل ما يمكن أن تقدمه إيطاليا للعالم".

وقد بدأت رحلة "أرماني" العالمية من تصميمات بسيطة وغير متكلفة؛ على غرار جاكيت غير مبطن وبنطلون بسيط مع ألوان هادئة، وقد جعلت منه هذه البصمة من الأزياء الإيطالية الجاهزة علامة فارقة على الخريطة العالمية منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وخلقت أسلوبًا مريحًا ومميزًا استمر في دفع علامته التجارية إلى القمة على مدى نصف قرن.

وارتدى المشاهير والأثرياء تصاميمه الكلاسيكية الراقية المصنوعة من أقمشة ناعمة وألوان متدرجة هادئة في كل مكان؛ من مكاتب رجال الأعمال وحتى شاشات هوليوود، أما بدلاته الرسمية السوداء وفساتينه البراقة، فقد كانت دائمًا محط الأنظار على السجادة الحمراء في حفلات الأوسكار ومواسم الجوائز الكبرى.

وشيد "أرماني" في حياته إمبراطورية تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار، تضم الملابس والإكسسوارات والأثاث والعطور ومستحضرات التجميل والكتب والزهور وحتى الشوكولاتة، ليحتل مكانة مميزة بين أغنى 200 ملياردير في العالم وفقًا لمجلة "فوربس".

كما امتلك سلسلة مطاعم وفنادق، إضافة إلى فريق كرة السلة "أولمبيا ميلانو"، ومنذ عام 1998 افتتح أكثر من 20 مطعمًا من ميلانو إلى طوكيو، كما افتتح فندقين كبيرين؛ الأول في دبي عام 2009 والثاني في ميلانو عام 2010.

وكان أسلوب "أرماني" انعكاسًا حقيقيًا لذاته من خلال ملابسه اليومية البسيطة المكونة من بنطلون داكن وقميص قطني، وحتى ديكورات منازله التي اتسمت بالبساطة والعملية، وقد ارتكزت فلسفته في التصميم على الأناقة التي تصنعها التفاصيل بدون تكلف، وكان يقول: "أنا أصمم الأزياء للجمهور من واقع الحياة اليومية الحقيقية"، وأضاف: "ليس هناك أي فائدة من تصميم ملابس أو إكسسوارات لا تصلح للاستعمال العملي".

ورغم هدوئه وابتسامته، فقد كان رجل أعمال حازم نجح في تحويل موهبته إلى إمبراطورية عابرة للقارات، ولم يبع أو يدمج شركته يومًا ما، وظل محتفظًا بلقب "الملك جورج" كما يسميه الإيطاليون، وظل صاحب القرار في شركته حتى وفاته.

يُذكر أن أرماني وُلد في 11 يوليو 1934 في بلدة بياتشينزا الصغيرة جنوب ميلانو. وكان يحلم في صغره أن يصبح طبيبًا، ولكنه بعد التحاقه بكلية الطب امتهن عملًا بسيطًا في تزيين واجهات المحلات بأحد متاجر ميلانو مما عرّفه على عالم الأزياء، وغيّر مسار حياته بالكامل.

وباع سيارته مقابل 10 آلاف دولار عام 1975 لتأسيس علامته التجارية للملابس الرجالية الجاهزة مع شريكه، سيرجيو جاليـوتي، قبل أن يطلقا خط الملابس النسائية في العام التالي، وكان الجاكيت الرياضي غير المبطن الذي ظهر في أواخر السبعينيات من القرن الماضي نقطة الانطلاقة الحقيقية التي جعلت اسمه يتردد في هوليوود ووول ستريت.

وأصبحت بدلة "أرماني" قطعة لا غنى عنها في خزانة الرجل الأنيق في أوساط الأثرياء في كل مكان بالعالم، أما بالنسبة للنساء، فقد أحدثت البدلة النسائية ثورة في بيئة العمل، إذ عُرفت باسم "بدلة القوة" بأكتافها العريضة وسروالها المفصل على الطراز الرجالي، لتصبح رمزًا لصعود المرأة العاملة في الثمانينيات من القرن الماضي.

ومع مرور السنوات، طوّر "أرماني" أسلوبه مضيفًا تفاصيل أكثر رقة وأقمشة فاخرة وألوانًا أفتح إلى لوحته التقليدية التي سيطر عليها الرمادي والبيج، ثم جاءت نقطة التحول في فيلم American Gigolo عام 1980 التي أطلقت اسم "أرماني" عالميًا؛ حيث ارتدى الممثل الأمريكي الشهير، ريتشارد جير، تصاميمه ليصبح رمزًا جديدًا للجاذبية، واستمرت شهرة "أرماني" في التوسع في هوليوود وبين طبقة الأثرياء.

وظهرت أزياء "أرماني" في أكثر من 200 فيلم، وأُدرج اسمه عام 2003 على "ممشى النجوم" في شارع روديو درايف الشهير، أما حفلات الأوسكار فقد كانت دومًا مسرحًا لإبداعاته؛ من بدلة المنثل الأمريكي، شون بن، السوداء التي ارتداها خلال تسلمه جائزة أفضل ممثل عام 2009، إلى فستان الممثلة الأمريكية، آن هاثاواي، الأبيض البراق الذي خطف الأنظار في العام نفسه.

وكانت قائمة عشاق تصاميمه تضم أسماء لامعة من مشاهيير هوليوود من الفنانين؛ مثل: جودي فوستر، وجورج كلوني، وصوفيا لورين، وبراد بيت، بالإضافة إلى الزوجين ديفيد وفيكتوريا بيكهام اللذين شاركا في حملته الإعلانية للملابس الداخلية عام 2009.

وبلغ تأثيره في الموضة العالمية الحد الذي جعل متحف "جوجنهايم" في نيويورك - المتخصص في عرض الفن الحديث والمعاصر- يخصص عام 2000 معرضًا مخصصًا لأعماله احتفاءًا بـ 25 عامًا من مسيرته، ثم افتتح متحفًا خاصًا في ميلانو باسم "أرماني سيلوس" بعدها بـ 15 عامًا، وفي الذكرى الخمسين أطلق ما يُعرف بـ "أرشيفيو أرماني"، وهو أرشيف رقمي شامل لأعماله.

وظل أرماني متمسكًا بالإشراف على جميع تفاصيل علامته التجارية حتى وفاته، وقد أوضح أن الإدارة ستؤول إلى مساعده المقرب، ليو ديل أوركو، وابنة شقيقه، "سيلفانا"، اللذين يقودان مجموعات الأزياء الرجالية والنسائية منذ سنوات طويلة، نقلًا عن شبكة "آي بي نيوز" الإخبارية.

وتشمل إمبراطورية "أرماني" اليوم أكثر من 9 آلاف موظف، نصفهم من النساء، وتضم سبعة مراكز صناعية، وأكثر من 600 متجر حول العالم، وفقًا لإحصاءات عام 2023، وتضم الإمبراطورية أنشطة واسعة من الملابس والعطور والأثاث، إضافة إلى الكتب والزهور والحلويات.

وكان أحدث استثماراته شراء مطعم "لا كابانينا" التاريخي في إيطاليا حيث اعتاد قضاء عطلاته مع شريكه الراحل "جاليـوتي"، وكغيره من رموز الموضة، سعى "أرماني" إلى رد الجميل عبر المشاركة في العديد من المبادرات الخيرية، خاصة تلك الموجهة للأطفال ودعم مكافحة الإيدز، وعُين سفيرًا للنوايا الحسنة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2002.

ولم يُرزق "أرماني" بأبناء، ولكنه كان مقربًا جدًا من ابنة شقيقه، "روبرتا"، التي تخلت عن مسيرتها السينمائية لتصبح مديرة العلاقات العامة لديه، وكانت تمثله في العديد من المناسبات الاجتماعية، كما لعبت دورًا أساسيًا في إدارة علاقاته مع النجوم والمشاهير، وقد أشرفت "روبرتا" عام 2006 على زفاف الممثلين الأمريكيين توم كروز وكايتي هولمز في قلعة تعود للعصور الوسطى خارج روما، بينما صمم "أرماني" ملابس العروسين بنفسه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved