دعوة ميرتس لإنشاء بورصة أوروبية موحدة بين ترحيب الخبراء وتحديات الواقع
آخر تحديث: الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 11:28 ص بتوقيت القاهرة
فرانكفورت (د ب أ)
ينشأ في أوروبا العديد من الشركات الناجحة مثل بيونتيك وبيركنشتوك وكلارنا، لكنها غالبًا ما تطرح أسهمها للاكتتاب في البورصات الأمريكية، وهذا ما يسعى المستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى تغييره، حيث يدعو إلى إنشاء بورصة أوروبية مشتركة.
تحظى دعوة المستشار الذي يترأس الحزب المسيحي الديمقراطي بتأييد الخبراء، غير أن تنفيذ الفكرة تعترضها عقبات كبيرة، ليس أقلها المصالح الوطنية لكل دولة أوروبية على حدة.
يقول مارك تونجلر، المدير التنفيذي لجمعية حماية المستثمرين "دي إس دبليو" إن "اقتراح السيد ميرتس هو الطريق الملكي لأوروبا"، مشيرا إلى أن إنشاء بورصة أوروبية مركزية، تُعَدّ فرانكفورت موقعًا مناسبًا لها، من شأنها أن تُجمّع السيولة. لكن المصالح الوطنية تعوق ذلك، لأن جميع الدول تريد أن تكون لها بورصتها الخاصة".
كما رحبت شركة البورصة الألمانية في فرانكفورت بمبادرة ميرتس، قائلة:" من خلال وجود أكثر من 500 منصة تداول، لم يُنشئ الاتحاد الأوروبي فقط السوق الأكثر تشرذما، بل أيضا الأقل شفافية، إذ لا يتم سوى نحو 30 في المئة من عمليات تداول الأسهم في بورصات شفافة". وأضافت الشركة أن تعزيز أسواق رأس المال أمر ضروري للتغلب على التحديات المجتمعية الكبرى، مثل تمويل الشركات أو تأمين التقاعد.
وكان ميرتس دعا في البرلمان الألماني في منتصف أكتوبر الماضي إلى الاستفادة بشكل أفضل من قوة السوق الأوروبية الداخلية. وقبيل مشاركته في قمة الاتحاد الأوروبي في أواخر الشهر الماضي، صرح ميرتس بأن الشركات تحتاج إلى سوق مالية أوروبية تكون واسعة وعميقة بما يكفي لتمكينها من تمويل نفسها بشكل أفضل وأسرع.
قال ميرتس: "نحن بحاجة إلى أن يكون لدينا نوع من البورصة الأوروبية، حتى لا تضطر الشركات الناجحة مثل شركة بيونتيك الألمانية إلى الذهاب إلى بورصة نيويورك".
وبدوره، أعرب وزير المالية الألماني لارس كلينجبايل عن "دعمه الكامل" لهذا المقترح، ورأى أنها خطوة منطقية عندما يتمحور الاهتمام حول تعزيز اندماج أسواق رأس المال الأوروبية ودفعها نحو مزيد من التكامل.
ويترأس كلينجبايل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، كما أنه يشغل منصب نائب المستشار الألماني؛ وجاءت تصريحاته تلك على هامش الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن.
تجدر الإشارة إلى أن شركة بيونتيك التي يقع مقرها في مدينة ماينتس غربي ألمانيا والتي نالت شهرتها من خلال تطوير لقاحات إبان جائحة كورونا، كانت طرحت أسهمها للاكتتاب في عام 2019 في بورصة التكنولوجيا الأمريكية ناسداك. ولم يكن ذلك حالة فردية؛ إذ قررت أيضًا شركة الدفع السويدية كلارنا وشركة صناعة الصنادل بيركنشتوك طرح أسهمهما في وول ستريت.
ففي الولايات المتحدة توجد بورصات قوية ومستثمرون كبار ورؤوس أموال مجازفة ووفيرة للشركات الناشئة، في حين أن السوق المالية الأوروبية تعاني من التشرذم. وكانت رابطة الأسواق المالية في أوروبا "إيه إف إم إي" حذرت في بروكسل قبل شهور من أن " أسواق رأس المال في الاتحاد الأوروبي آخذة في التخلف عن الركب".
شهدت أوروبا بالفعل محاولات ناجحة لدمج بعض أسواق الأوراق المالية، إذ نشأت بورصة "يورونيكست" التي تضم بورصات باريس وأمستردام وبروكسل ودبلن ولشبونة وميلانو وأوسلو.
في المقابل، فشلت البورصة الألمانية مرارًا قبل سنوات في الاندماج مع بورصة لندن "إل إس إي"، وتعتبر البورصة الألمانية نفسها "أكبر لاعب على الصعيد الأوروبي، وأيضا لاعب على الصعيد العالمي"، كما أوضحت في بيانها. وأضافت: "نحن ندرك دورنا الخاص ومسؤوليتنا تجاه أسواق رأس المال الأوروبية، وكنا دائمًا ما نفكر بعقلية أوروبية في الماضي. غير أن نطاق حركتنا كان يُقيَّد مرارًا بالظروف التنظيمية والإطارية".
وفي بروكسل، يجري منذ سنوات نقاش حول إنشاء سوق أوروبية موحدة لرأس المال، تهدف إلى إزالة العقبات البيروقراطية بين دول الاتحاد الأوروبي. ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى تشجيع صغار المستثمرين على الاستثمار في الأسواق المالية، حتى يتوفر المزيد من التمويل لمشروعات البنية التحتية والتحول الرقمي وحماية البيئة. كما يهدف التكتل الأوروبي من ذلك أيضا إلى تسهيل حصول الشركات على التمويل. غير أن تنفيذ هذا المشروع ما زال متعثرًا.
تتمثل إحدى أبرز نقاط الخلاف حتى الآن في مسألة إنشاء هيئة مركزية للرقابة على أسواق رأس المال في الاتحاد الأوروبي. ففرنسا، على سبيل المثال، تريد منح الهيئة الأوروبية للأوراق المالية والأسواق "إي إس إم ايه"، ومقرها في باريس، دورًا أقوى، بينما كانت برلين تعارض ذلك حتى وقت قريب، لكنها تبدو الآن أكثر انفتاحًا. وقال كلينجبايل في واشنطن إن ألمانيا سيتعين عليها، مثل غيرها من الدول، أن تتحرك في اتجاه ما يُعرف باتحاد أسواق رأس المال.
ومع ذلك، يبقى من غير المؤكد ما إذا كان إنشاء بورصة أوروبية موحدة سيحول فعلا دون انتقال الشركات إلى الولايات المتحدة. ويرى مارك تونجلر أن العامل الحاسم بالنسبة لأوروبا هو تفعيل رؤوس الأموال غير المستغلة. وقال موضحا: "لماذا تطرح الشركات أسهمها للاكتتاب في الولايات المتحدة؟ لأن هناك تتوفر سيولة أكبر وعدد أكبر من المستثمرين".
ووفقًا للبنك المركزي الأوروبي، فإن إيداعات المواطنين الأوروبيين في حسابات التوفير تُقَدّر بنحو 5ر11 تريليون يورو. ويضيف تونجلر أن "هذه الأموال تفقد قيمتها لأن عائدها يصبح سلبيا بعد احتساب التضخم".
وأوضح تونجلر أنه إذا تم ضخ مجرد جزء من هذه الأموال في أسواق رأس المال، فستتوافر في هذه الأسواق مبالغ ضخمة، وأردف مستدركا: "غير أن فكرة توجيه المدخرات نحو أسواق المال لا تعمل في ألمانيا"، واختتم تصريحاته بالقول إن فكرة المستشار الألماني جيدة " لكن يجب أن تتبعها أفعال الآن".