المحللة أوليفيا أوسوليفان: العالم يحتاج نظاما جديدا للمساعدات التنموية لا يعتمد على أمريكا

آخر تحديث: الخميس 6 مارس 2025 - 12:44 م بتوقيت القاهرة

لندن - د ب أ

يواجه العالم وبخاصة الدول النامية والمنظمات غير الحكومية مشكلة كبيرة على خلفية اتجاه الدول الغربية الغنية نحو إلغاء أو خفض مخصصات المساعدات الخارجية. وكانت البداية بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي قرر تجميد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المعنية بتقديم مليارات الدولارات من المساعدات لعشرات وربما مئات الدول والمنظمات حول العالم.

وبعد ذلك أعلنت حكومة رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر خفض مخصصات المساعدات الخارجية، مع توقعات باتخاذ دول غربية أخرى خطوات مماثلة بسبب حاجتها إلى زيادة مخصصات الإنفاق العسكري لمواجهة تداعيات سياسات الرئيس ترامب.

ففي الأسبوع الماضي قال ستارمر إن حكومته ستزيد الإنفاق العسكري من خلال خفض مخصصات المساعدات من حوالي 5ر0% من إجمالي الدخل القومي إلى 3ر0% فقط، وهو ما دفع وزيرة التنمية في حكومته أنيليس دودر إلى الاستقالة احتجاجا على هذا الخفض.

وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني قالت أوليفيا أوسوليفان مديرة قسم بريطانيا في البرنامج العالمي بالمعهد إن بريطانيا تخفض مخصصات المساعدات منذ 2020، لتصل إلى أقل مستوياتها منذ عقود، حيث تضررت مخصصات المستفيدين الدائمين من هذه المساعدات وكذلك منظمات الإغاثة الإنسانية. ولم تكن بريطانيا الوحيدة في أوروبا التي خفضت مساعداتها حيث فعلت ذلك في السنوات الأخيرة فرنسا وألمانيا.

لكن التخفيضات الأوروبية، رغم خطورتها، تتضاءل مقارنة بتأثير قرار إدارة ترامب بإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتجميد كل الإنفاق الاتحادي على المساعدات تقريبا. وتثير هذه الخطوة تساؤلات حول النظام الحديث للمساعدات والتنمية، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دورا مركزيا، بما في ذلك تمويل وكالات الأمم المتحدة الرئيسية ودعم برامج الرعاية الصحية الأساسية الضخمة في الكثير من المناطق الفقيرة حول العالم.

وفي 20 يناير الماضي يوم تنصيبه، أصدر ترامب أمرا تنفيذيا بتجميد كل المساعدات الخارجية التنموية الأمريكية لمدة 90 يوما. وبنهاية يوم أول فبراير، أغلق موقع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تدير مساعدات بنحو 60 مليار دولار سنويا.

وتشهد المحاكم الأمريكية العديد من الدعاوى القضائية وبعضها أقامها أعضاء في الكونجرس لإلغاء قرار ترامب، وقال البعض إنه قد يتم إعادة تشكيل الوكالة بصورة جزئية تحت إدارة وزارة الخارجية. لكن الإدارة الأمريكية أعلنت في الأسبوع الماضي انتهاء المراجعة الأولية لعمل الوكالة وإلغاء آلاف عقود المساعدات.

وترى أوسوليفان آن آثار غلق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية واسعة النطاق، لكنها قد تكون غير مرئية داخل الولايات المتحدة لآن المتضررين منها لا يمثلون قوة انتخابية. وفي عام 2023 شكلت المساعدات الأمريكية 29% من إجمالي المساعدات التي تقدمها دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في حين شكلت بريطانيا 8% فقط من هذه المساعدات.

وتعتبر الولايات المتحدة ممولا رئيسيا لوكالات دولية أساسية، حيث تقدم ملياري دولار من إجمالي التبرعات التي حصلت عليها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في العام الماضي وكانت 8ر4 مليار دولار على سبيل المثال.

كما يقول مركز التنمية العالمية إن الولايات المتحدة شكلت حوالي 20%من إجمالي المساعدات التي حصلت عليها 8 دول فقيرة، وأغلبها كان مخصصا لتوفير الرعاية الصحية الأساسية والإغاثة الطارئة. كما تعتمد دول تعتبر شريكا حيويا للأمن الغربي مثل الأردن على المساعدات الأمريكية لدعم الخدمات الأساسية واللاجئين.

واضطرت بريطانيا والدول الغربية الأخرى لخفض مخصصات المساعدات الخارجية بسبب تزايد الضغوط لزيادة الإنفاق العسكري من أجل المحافظة على التحالف مع الولايات المتحدة. وتعاني بريطانيا من ضغوط الإنفاق العسكري منذ مدة طويلة. وتعاني خطة تحديث المعدات الدفاعية من عجز يبلغ 15 مليار جنيه إسترليني. كما حذر البرلمان البريطاني من أن الجيش قد لا يستطيع القتال لفترة طويلة. كما أن حجم الجيش البريطاني لا يكفي لتلبية التزامات حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ناهيك عن أي انتشار طويل المدى في أوروبا.

والحقيقة أن حزب العمال تولى الحكم في بريطانيا قبل أقل من عام ساعيا إلى استعادة بريطانيا لريادتها في مجال التنمية. وكان إعلان حكومة العمال عن طيفية تمويل الزيادة الإنفاق العسكري خطوة إيجابية أفضل من مجرد إطلاق إعلانات دون تحديد سبل تمويلها. ورغم ذلك فإن توفير 6 مليارات جنيه إسترليني من أموال المساعدات لن يكفي لسد العجز في الإنفاق العسكري. كما أنها لن تكفي بالتأكيد لتمويل التغييرات المطلوبة نتيجة تقليص الولايات المتحدة لوجودها العسكري في أوروبا بحسب خطط ترامب.

ويحسب لحكومة العمال قرارها تنفيذ خطة خفض مخصصات المساعدات الخارجية على مدار عامين وهو ما يعطي الفرصة للعمل مع الشركاء لمعالجة أوجه النقص الحاد في المساعدات. وتسعى بريطانيا إلى إعادة ضبط علاقاتها مع عالم الجنوب. وإذا أرادت لندن أن يكون لها دور مهم في مكافحة الفقر والمشاكل المشتركة في الجنوب، فعليها استغلال اللحظة الراهنة للحديث مع دول الجنوب والاقتصادات الناشئة من أجل بللورة نظام دولي جديد للمساعدات والتنمية، بعيدا عن النموذج السابق الذي اعتمد بدرجة كبيرة على التمويل الأمريكي.

والحقيقة هي أن عيوب النموذج الغربي للمساعدات الخارجية موثقة جيدا. ويرى المنتقدون أن المساعدات يمكن أن تخلق حالة من الاعتماد عليها، كما أن الناخبين في الدول الغربية وبخاصة في المناطق التي تعاني صعوبات اقتصادية لا يوافقون على تقديم هذه المساعدات للدول الأخرى. في المقابل تريد إدارة ترامب تحسين هذا النموذج، ولا إعادة رسم خطوط المحاسبة فيه لتحقيق نتائج أفضل، وإنما ترغب في تخلي الولايات المتحدة عن دورها المركزي في تمويل المساعدات الإنسانية والتنموية العالمية.

وسوف يترك تراجع الغرب عن المساعدات فرصة واضحة للقوى المناوئة له وبخاصة الصين لتعزيز نفوذها في البلدان النامية. وبالفعل تواصل الصين الحديث عن تعهداتها بالاستثمار في أفريقيا. وفي منتدى التعاون الصيني الأفريقي لعام 2024، تعهدت بتقديم 51 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات في شكل قروض ومساعدات تقليدية. كما تعمل دول الخليج على زيادة جهود المساعدات الإنسانية، إلى حد كبير في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، مثل القرن الأفريقي.

في الوقت نفسه فإن الاتهامات الكاذبة التي يرددها فريق ترامب عن تأسيس الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على الاحتيال، أو أنها جزء من مؤامرة أوسع نطاقا، تعزز نظرية المؤامرة التي ترددها أنظمة الحكم المستبدة في العالم عن برامج المساعدات الأمريكية والغربية ككل، كما تهدد هذه الاتهامات المشروعات الغربية والمنظمات المتعاونة معها في تلك الدول.

وفي ضوء هذه التخفيضات، يرى بعض الخبراء أن الوقت قد حان للدول المتلقية للمساعدات لكي تقلل اعتمادها عليها وتسيطر بصورة أكبر على نظمها الصحية والتعليمية وسياساتها بصورة أوسع.

أخيرا يمكن القول إن بريطانيا التي تراجع حاليا سياسة المساعدات، تستطيع التركيز على الخيارات المتاحة لها على المدى البعيد مثل مواصلة السعي لتحقيق نفوذ استراتيجي لها في النظام الدولي الأوسع نطاقا للمساعدات بما في ذلك إصلاح المؤسسات المالية الدولية والعمل مع البلدان النامية لتطوير استراتيجيات النمو الخاصة بها، بما يضمن تراجع حاجة تلك الدول إلى المساعدات الخارجية وتحسين مستوى معيشة مواطنيها اعتمادا على مواردها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved