السفير عمرو حلمي يكتب: سقوط الحكومة الفرنسية والدخول في أزمة ممتدة
آخر تحديث: الجمعة 6 ديسمبر 2024 - 11:21 ص بتوقيت القاهرة
بمقتضى التطورات التي شهدتها فرنسا، أصبحت حكومة ميشيل بارنييه بمثابة الحكومة الأولى منذ عام 1962 التي يتم الإطاحة بها بسبب تصويت بسحب الثقة. كما أصبح بارنييه الشخصية التي تولت رئاسة الحكومة لأقصر فترة زمنية في تاريخ فرنسا الحديث، إذ تولى رئاسة الحكومة في 5 سبتمبر الماضي، حيث كانت الآمال معقودة عليه في أن يتمكن من تهدئة العاصفة السياسية التي لم تكن تعصف بفرنسا فحسب، بل كانت تهدد أيضًا منطقة اليورو بأسرها. إلا أنها انتهت بتخبط كارثي سوف يرسل موجات تصادمية في جميع أنحاء أوروبا.
فبعد نقاشات استمرت ثلاث ساعات ونصف، أيد 331 نائبًا إسقاط الحكومة، فيما كانت مذكرة حجب الثقة تحتاج إلى 289 صوتًا فقط. وقالت رئيسة الجمعية الوطنية يائيل برون-بيفيه: "إنه بعد حجب الثقة ينبغي على رئيس الوزراء تقديم استقالة الحكومة إلى رئيس الجمهورية". وأعلنت الرئاسة الفرنسية أن بارنييه سيقدم استقالته خلال ساعات.
وكان من الواضح منذ توليه رئاسة الحكومة أنه مكلف بالقيام بمهمة شبه مستحيلة نظرًا للانقسامات الشديدة التي تشهدها الحياة السياسية الفرنسية. وعقب تقديم الحكومة استقالتها، فإنه قد يبقيه الرئيس ماكرون لتصريف الأعمال لحين إيجاد بديل له، وسط توقعات بصعوبة أن تحظى الحكومة الفرنسية الجديدة بحد أدنى من الاستقرار. فبعد الإخفاق الذي لحق بالحكومة السابقة، فإنه من الصعب تصور، وفقًا لبعض التقديرات، أن تنجح الحكومة الجديدة في مهمتها.
الوضع يبدو مستعصيًا على الحل، حيث يعتقد البعض أن الحل الوحيد لتجاوز الأزمة يتمثل في رحيل ماكرون ذاته. فالضغط على الرئيس سوف يتزايد أكثر فأكثر، خاصة وأنه بالنسبة للعديد من الآراء هو المتسبب الرئيسي في الأزمة التي تشهدها فرنسا، بعد أن دفعه الغرور وقلة الخبرة إلى حل الجمعية الوطنية في يونيو الماضي وعقد انتخابات برلمانية بعد هزيمة حزبه في الانتخابات الأوروبية، دون تقدير للعواقب.
بعد تلك التطورات، أصبح الرئيس ماكرون يواجه أصعب اختبار سياسي في ولايته الثانية، وهو ما دفع جريدة لوموند إلى التساؤل: هل فرنسا الآن هي اليونان ولكن على نهر السين؟ وهي محقة تمامًا في ذلك، خاصة وأن فرنسا أضحت على مشارف الدخول في مرحلة ممتدة من عدم الاستقرار السياسي لها عواقب مالية هائلة، فضلاً عن تداعيات تمتد إلى خارج الحدود السياسية للبلاد لتؤثر في الاتحاد الأوروبي، باعتبار فرنسا ثاني أكبر القوى الاقتصادية في منطقة اليورو بعد ألمانيا - المتعثرة أيضًا.
وقد يتجه ماكرون إلى تعيين رئيس وزراء جديد على وجه السرعة لتجنب الحرج من عدم وجود حكومة، وذلك لأسباب ليس أقلها أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من المقرر أن يصل إلى باريس لحضور إعادة فتح كاتدرائية نوتردام. ونظرًا لأنه من غير الممكن إجراء انتخابات برلمانية جديدة قبل يوليو القادم، فإن هذا يعني أن الطريق المسدود الحالي الذي تشهده الجمعية الوطنية من المنتظر أن يستمر مع مخاطر إنهاء العام دون حكومة مستقرة أو ميزانية متفق عليها لعام 2025. كما لا يوجد ما يشير إلى أنه سيكون من السهل تشكيل حكومة قادرة على الفوز بتأييد برلمان منقسم بثلاثة اتجاهات دون أغلبية مطلقة، وعلي الرئيس ماكرون، هذه المرة، عدم الانفراد بسلطة اختيار رئيس الوزراء الجديد دون التشاور مع مختلف القوى السياسية.
فالأوضاع تبدو شديدة التعقيد، إذ تواجه البلاد، التي تعاني بالفعل من نمو منخفض وديون وعجز كبيرين، احتمالات الدخول في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار. إذ تقدر قيمة المديونية الفرنسية بـ 3.5 تريليون دولار، منها 369 مليار واجبة السداد العام القادم، وترجع أسباب ارتفاع المديونية الفرنسية إلى أزمة كورونا وتمويل أوكرانيا. ويصاحب ذلك وصول نسبة العجز في الميزانية إلى 6.1% التي تتخطى شروط الاتحاد الأوروبي.
ولا يجب النظر إلى ما تشهده فرنسا بمعزل عن التحديات التي ستواجه دول الاتحاد الأوروبي من جراء فوز دونالد ترامب، الذي يحمل أجندة أمريكية مختلفة عن تلك التي طبقها الرئيس بايدن، خاصة فيما يتعلق بأوكرانيا، فضلاً عن قضايا الأمن والدفاع والعلاقات التجارية بين شطري الأطلسي. خاصة وأن الاتحاد الأوروبي لا يبدو في أفضل حالاته بعد التعثر الذي يواجه كل من فرنسا وألمانيا، الأمر الذي يجعل أوروبا دون زعامة راسخة قوية. وهو الوضع الذي يجسده بجلاء ما تشهده القوة الاقتصادية الأوروبية الرئيسية، ألمانيا، من عدم اليقين، والقوة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي، فرنسا، من عدم استقرار. خاصة وأن الرئيس ماكرون من المرجح أن يواجه صعوبات جمة حتى تنتهي فترة ولايته الثانية عام 2027، إذا ما استطاع استكمالها.