رشا سنبل: رواية لبنى والقرط اللازوردي رحلة ساحرة إلى أعماق الحضارة والخيال

آخر تحديث: الجمعة 6 ديسمبر 2024 - 6:57 م بتوقيت القاهرة

حوار ــ أسماء سعد:

- الحضارة المصرية بها الكثير من العناصر التى تخدم أى مشروع إبداعى
- الكتابة لأدب الناشئة مغامرة كبرى تستحق كل الاهتمام

فى عالم مفعم بالخيال والأساطير، تأخذنا الكاتبة رشا سنبل فى رواية «لبنى والقرط اللازوردى» الصادرة عن دار الشروق، إلى رحلة فريدة تجمع بين عبق الحضارة المصرية القديمة وألوان الخيال اللامحدود، بحساسية مرهفة وعشق للتراث، استطاعت أن تحوّل نصوصها إلى محطات بديعة للبحث عن الذات.

 

تكشف رشا سنبل أنها استلهمت فكرتها من زياراتها لمواقع أثرية عظيمة، مثل الفيوم والأقصر وأسوان، لتنسج قصة عن جدة استثنائية تورث حفيدتها حكمة الزمن وحكايات تحمل روح الماضى بروح معاصرة، ولأن الأدب الموجّه للناشئة هو حقل ملىء بالتحديات، تكشف الكاتبة فى حوار مع «الشروق» أن الحفاظ على التوازن بين تقديم أفكار عميقة وجذب القارئ الناشئ يكمن فى فن الحكى، وأنها كى تبقى القصة حية فى وجدان قارئها الصغير، يجب أن تتجاوز حدود الورق إلى آفاق أرحب من الإبداع.

< بخصوص «لبنى والقرط اللازوردى» كيف نشأت الفكرة وما الذى ألهمك لكتابة القصة؟


ــ نشأت فكرة القرط اللازوردى منذ عدة سنوات، بدأت فى ذهنى بقصة صغيرة عن قرط سحرى، له القدرة على التمييز بين الفتيات، ليس من ناحية المظهر، لكن من النواحى العقلية والنفسية، ثم تطورت الفكرة، أن هناك جدة ستورث حفيدتها ذلك القرط، وبعض الحكايات القديمة أيضًا، مع إظهار العلاقة الحميمة بين الجدة والحفيدة، ولشغفى بالحضارة المصرية القديمة، أردت أن تكون هى النبع لذلك الموروث من الحكى، وبالبحث والقراءة فى أساطيرنا القديمة، وما بها لخدمة فكرتى، بدأت عدة زيارات، كانت أولها إلى مدينة الفيوم، تلك المدينة الساحرة، والتى بها معبد عظيم وهام للغاية للآله سوبيك، ومن هنا بدأت تُغزل خيوط الرواية، ثم قمت برحلة إلى الأقصر وأسوان، والتى كان لها أثر عظيم فى تشكيل كثير جدًا من مفردات وشخصيات الرواية، وبمشاهدة معبد كوم أومبو بالتحديد، اكتملت الحكاية فى ذهنى، وقمت بكتابتها، فكانت زيارة المعابد المصرية القديمة، هى الوحى والملهم للقصة كاملة.

< كيف وظفتِ الحضارة المصرية فى أحداث القصة، وما هى الرسائل التى أردت إيصالها عن هذه الحضارة للناشئة؟


ــ أعتقد أن الحضارة المصرية القديمة، بها الكثير من العناصر التى قد تخدم أى مشروع كتابى أو فنى لما تحتويه من عناصر متعددة وكاملة تعطيها بسخاء لمن أراد استخدام بعض من مفرداتها، وأنها معين لا ينضب للوحى لنا وللبشرية تتخطى مجرد التمسك بالشكل، لكن فى جوهر فكرها واتساع معارفها، أردت جعل الحضارة المصرية النبع للأفكار دون التقيد بأحداث حقيقية، بل على العكس، فأحداث القصة وشخصياتها جميعها خيالية، لكن وصف الكثير من المشاهد، وبعض الشخصيات، خاصة التى من عالم الكتاب، كانت من وحى الحضارة المصرية القديمة، من ذلك: أسماء بعض الشخصيات، اللغة القديمة، شجرة الجميز، الناي، ورق البردى، الإلماح لطرق المعيشة فى ذلك الزمن، وغيره. ولا يبتعد هذا عن الرسائل التى أردت التأكيد عليها، لأن الحضارة المصرية القديمة تعتمد على ركائز أخلاقية عالية، منها الصدق، والشجاعة، وقول الحق.

< قدمتِ شخصية الجدة «حياةس كعنصر محورى فى القصة، بخصائص غير تقليدية. ما الرسائل التى أردتِ ايصالها من خلال هذه الشخصية، وكيف أثر دورها على تطور شخصية لبنى؟


ــ أعتقد أن الأطفال يتأثرون ويتعلمون ويقلدون ما يرونه، وليس من الوعظ المباشر، ولتفعيل هذا التأثير، كانت شخصية الجدة حياة، لم أرها جدة تقليدية، بل لها قدرات خاصة تتناسب مع قدرات القرط، وما سترويه من حكايات للبنى، والتى تشعر مع الجدة بالأمان، والحرية فى التصرف، وطرح الأسئلة، فهى امرأة ذات شخصية قوية، شغوفة بالقراءة والتعلم، متعددة المعارف، خفيفة الظل، حنونة، تتعلم من أخطائها، ولها اختيارت خاصة بها، تدفع ثمنها دون الشعور بالندم، كما أنها تعلمت من حفيدتها دون الشعور بمشكلة فى ذلك، بل تثق فى قدرات حفيدتها. كلام الجدة مُصدق لدى لبنى، مما أثر فيها بقوة، ولذلك كانت من الاشكاليات التى بالرواية، حين اكتشفت لبنى أن هناك تفاصيل كثيرة لا تعلمها، ووقعت فى شك أن تكون جدتها صادقة بالشكل الكافى لاطلاعها على جميع أسرارها، وهذه نقطة أردت الاهتمام بها، هل نستطيع البوح لأطفالنا بكل ما نعرفه، وما يحدث حولهم! هل علينا اطلاعهم بالمشاكل الكبيرة، وائتمانهم على أسرار تفوق احتمالهم؟ فأطفال اليوم يشاهدون أكثر مما تتسع حدقاتهم لرؤيته، ولذلك أرى أن الحديث مع الأطفال لابد أن يكون بصدق كامل، لكن بطريقة تتناسب مع أعمارهم، وباستخدام مفردات بسيطة ومحددة توضح لهم الأمر مهما كان الموضوع مؤثر أو ضخم، مثل مواضيع الوفاة لأحد أفراد الأسرة أو التعرض لظلم ما. إن استخدام الخيال والحكى من أهم الطرق التى تمكنا من إيصال رسائل عظيمة بطريقة مناسبة، فالقصص تخلق ترابطات بين الطفل وما يقرأ أو يسمع أو يشاهد، ويقيسه على نفسه وكل ما هو حوله.

< تناولت الاختلاف بين الحكايات الشرقية والغربية، خاصة فيما يتعلق بالأخلاقيات وصراع الانسان، كيف ظهر هذا الاختلاف فى كتابك؟


ــ تتميز الحضارة المصرية بالكثير، منها إعلاء قيمة الأخلاق والقيم العليا، فمن الأمور التى كان يُقسم عليها المصرى القديم أمام محكمة تُنصب له للعبور إلى العالم الآخر، كما ورد لنا من كتاب «الموتى» كما هو معروف، ولا يمكن للمصرى القديم السماح له بالعبور ثم الخلود، بدون القسم على سبيل المثال: لم أقتل، لم أكذب، لم أسرق، لم أملأ قلبى بالحقد، لم أكن سببًا فى دموع إنسان، لم أكن سببًا فى شقاء حيوان، لم ألوث ماء النهر.. وغيره. إنها حضارة مبنية على الاخلاق والعدالة، وأن الغاية لا تبرر الوسيلة، عليك الاجتهاد والتعلم والعمل، وايجاد الطرق المشروعة للوصول إلى مبتغاك، وهذا ما سنلاحظه فى الرواية، رغم صعوبة الوصول لحل لبعض المشكلات الرئيسية بالكتاب، كان لابد من الوصول بطرق تعتمد على الجهد والعمل والتعلم وإعمال العقل. ورغم أن الكتابة والتدوين وما لهما من أهمية كبيرة فى الحضارة المصرية القديمة، وأننا عرفنا الكثير عن الأجداد من خلالهما، لكننا ننسى أن حضارتنا قد تمتد لعشرة آلاف سنة وليس فقط من عصر التدوين، فلذلك مع الإشارة إلى أهمية الكتاب، أحببت الإلماح للموروث الثقافى من خلال الحكايات الموروثة والخيال والفن، لما لهم من تأثير كبير على نفسية وعقلية وتحضر الانسان، ورقيه.

< أشرتِ إلى أنكِ لا ترين الخير والشر كمفاهيم مطلقة، كيف عكست هذه الفكرة فى حبكة القصة والشخصيات؟


ــ أعتقد أن الثنائيات المطلقة ليست من طبيعة الحياة، فكما هناك النور والظلام، فالوصول لكلا منهما تدرجات لونية متعددة، فنحن نتعلم من الظواهر الكونية والطبيعة أن التعدد والتدرج من سيمات الحياة، بالتالى ليس هناك مقياسًا خالصًا ودقيقًا نستطيع معه قياس الخطأ والصواب بشكل حاد، لأن الانسان يتغير ويتطور ويتعلم من أخطائه، ورغم قدرات الجدة حياة المتعددة، فهى أخطأت عدة مرات على مدى الرواية، وتعلمت من أخطائها وحاولت تصحيحها، كما عجزت عن حل بعض المشاكل الرئيسية والهامة، واستطاعت الحفيدة ذلك، بعد أن أخذت وقتها فى التعلم والاختيار والمحاولة وإيجاد كلماتها وصوتها الخاص، ففاقت لبنى أستاذتها، ومعلمتها الجدة، فى الوصول إلى ما عجزت عن حله من قبل.

< الكتاب موجه للقارئ الناشئ، فكيف حافظتِ على التوازن بين التشويق فى السرد وتقديم القيم والأفكار الإيجابية؟


ــ الكتابة للناشئة ليست بالأمر الهين، فكما تفضلتِ، على الكاتب الحفاظ على التوازن بين التشويق وتقديم أفكار بناءة، بدون توجيه النصيحة أو الوعظ، لأن الناشئ سيلفظ الكتاب بسهولة، فهو لا يُحب الاملاء عليه، وبالتالى ستقف المباشرة عقبة أمام الكاتب، لذلك وجدت أن فى استخدام الخيال والفانتازيا حل للوصول لعرض أعقد وأهم القضايا، كما أن التحدث مع اليافعين، واليافعات، والغوص فى أفكارهما هو النجاة الوحيدة فى رأيى الشخصى لعدم الوقوع فى هذه الأخطاء، كما أن القراءة المستمرة فى كتب التربية وعلم النفس والكتب والروايات المخصصة لهذه الفئة ومشاهدة البرامج والأفلام، كل هذه أمور تساعد كثيرًا فى الوصول لطريقة مناسبة لعرض فكرة الكاتب، فهناك الكثير من الجمل، والأحداث قمت بحذفها للحفاظ على وتيرة الحكى دون الوقوع فى الملل أو أزمة النصح، وعذرًا لتسميتها أزمة، لكن تعج الكثير من الكتب خاصة العربية بهذا الأمر، فعلينا الوصول مع قارئنا الغالى لحل المشكلات أو المواضيع التى نقدمها له بدون استعلاء أو استخفاف بعقله، وأن يكون هو أو هى شركاءنا فى الوصول إلى الحلول المناسبة لجميع المشكلات التى تهتم بها القصة، فهم أبطال الحكاية والحل.

< تبدو القصة مناسبة للتحويل إلى قصة مصورة، أو فيلم رسوم متحركة، هل فكرتِ فى هذا الاتجاه؟ وإذا ما حدث كيف تتخيلين ترجمة أحداث الكتاب بصريًا؟


ــ الحقيقة أننى لم أفكر فى هذا الأمر وقت كتابة الرواية، لذلك حرصت على الوصف للصورة فى بعض أجزاء الرواية ليتابعنى القارئ فى رسم المشاهد معى، ورؤيتها كما أراها، وحين ضم الكتاب ثلاثة عشرة لوحة فنية فى مقدمة كل فصل، قامت برسمهم الفنانة سحر عبد الله، خفق قلبي، خاصة فى اللوح التى ضمت الشخصيات الرئيسية، لذلك أعتقد أن رؤية الشخصيات حية تسير وتتحرك وتتكلم، أمر لا يمكن تصور مدى تأثير جماله على الكاتب، فالكتابة حين تخرج من بين دفتى الورق للشاشة، يكون الأثر عظيم على نفس الكاتب.. وهذا ما أرجوه بالطبع.

< كيف أثرت دراستك وحياتك العملية على انتقالك إلى عالم الكتابة، خاصة فى مجال أدب الناشئة؟


- أعتقد أن دراسة الزراعة، تحفز على التأمل والصبر، وإن لم أعمل بها رغم محبتى للزراعة، لأننى تفرغت لرعاية أسرتى، بينما لازمنى حب القراءة منذ الطفولة حتى اليوم، والتى كانت أمرًا رئيسيًا، أحببت تمريره لابنتىّ، وأرجو أن أكون نجحت فى ذلك، فزيارة المكتبة وانتقاء الكتب والقراءة كانت أحد أهم أوقاتى معهما، كما أننى سجلت لهما بصوتى، وهما ما زالتا طفلتين، شريط كاسيت به قصص من تأليفى لتناما عليه فى حال انشغالى، وكانت معظم تلك القصص من واقع مشاكلنا الحياتية والتوصل لحل لها على قدر ما استطعت، مثل الالتزام بالمواعيد، والترتيب، والصدق.. وغيره، ورغم أن بداية الكتابة بالنسبة لى كانت قصصا قصيرة ومقالات للكبار، إلا إننى واجهت مع ابنتىّ الحصول على رواية مناسبة لعمرهما باللغة العربية، لأن معظم قراءاتهما كانت باللغة الإنجليزية، مما حفزنى للكتابة بأول عمل روائى لى لليافعين وهى رواية «يوميات طالب ثانوى» فى العام 2013، ووجدت أنه عالمًا ساحرًا، كما أحببت أن الناشئ لا يجامل الكاتب فى التعبير عن رأيه بالعمل، فرأيه خالصًا ومعبرًا بشكل واضح، لذلك أعتبر أن الكتابة لهذا العمر هو مغامرة كبرى تستحق كل الاهتمام.

< كيف تواكبين تغير اهتمامات الشباب وتطور طرق تفكيرهم لضمان أن تظل أعمالك قريبة من تطلعاتهم ومؤثرة فيهم؟


ــ فى رأيى الشخصى ليست هناك وسيلة مضمونة بشكل قاطع، لأن سرعة التغيرات أصبحت عالية، لكننا جميعًا ككتاب وكاتبات لهذه المرحلة الهامة والحساسة، نحاول، وبالنسبة لى تلك المواكبة تكون عن طريق القراءة لجميع أشكال الكتب والمجلات القديمة، والحديثة المعروضة حاليًا، والإنصات لليافعين واليافعات، فالحديث معهم هو بمثابة النور الذى يرشدنا للوصول لأهدافنا، وتعديل مسارات الكتابة، فنتخلص من جميع الحواجز للوصول إلى عقولهم وطبيعة وأنواع مشاكلهم.

< ما هى الخطط المستقبلية لديكِ، هل هناك أعمال أخرى تستعدين لإصدارها؟


ــ أرجو التوسع فى لقاء اليافعين بشكل أكبر عن طريق الورش، واللقاءات الثقافية، وأن أكون أكثر نشاطًا، والكتابة بشكل مستمر، لأننى أصاب بحبسة للكتابة على فترات طويلة، لدى عدة أعمال، حبيسة الأدراج، بينما ليست عندى الشجاعة الكافية بعد لطرحها على دور النشر، منها: قصة للناشئة، ومجموعة قصصية، وروايتان للكبار لم تكتملا بعد!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved