المكتبة الإسلامية (7) موطأ الإمام مالك: أول موسوعة حديث وفقه في الإسلام
آخر تحديث: الجمعة 7 مارس 2025 - 5:07 م بتوقيت القاهرة
محمد حسين
اكتمل الوحي الإلهي، بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، في يوم عرفة من حجة الوداع؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخرا بالكتب في التفسير والحديث والسيرة والفقه وغيرها من العلوم الشرعية.
وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل في معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين.
الحلقة السابعة..
بعد أن استعرضنا في الحلقات السابقة كتب السنن الستة، نعود اليوم إلى واحد من أقدم كتب الحديث وأعظمها تأثيرًا، وهو "الموطأ" للإمام مالك بن أنس، الذي جمع فيه بين الحديث النبوي والفقه العملي لأهل المدينة، وفقالما ورد في كتاب "تدريب الراوي" للسيوطي.
من هو الإمام مالك؟
هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني، وُلد عام 93 هـ في المدينة المنورة، ونشأ في بيت علمٍ وديانة، حتى أصبح من كبار أئمة الحديث والفقه، كما جاء في كتاب "طبقات الحفاظ" للذهبي.
كان الإمام مالك شديد التثبت في الرواية، حتى عُرف بأنه لا يأخذ الحديث إلا عن الثقات المعروفين بالدين والعلم، وكان يقول: "لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن بالسفه، وصاحب بدعة يدعو إليها، وكذاب، ورجل لا يعرف ما يحدث به"، حسب ما ذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال".
توفي الإمام مالك عام 179 هـ، تاركًا إرثًا علميًا ضخمًا، كان من أبرز معالمه كتاب "الموطأ"، وفقًا لما ورد في كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان.
ما الذي يميز موطأ الإمام مالك؟
يُعد الموطأ من أهم وأقدم كتب الحديث والفقه، حيث جمع فيه الإمام مالك بين الأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة، والتابعين، وأحكام الفقه، مما جعله أول موسوعة تشريعية في الإسلام، وفقالما ورد في كتاب "فتح المغيث بشرح ألفية الحديث" للسخاوي.
من أبرز ميزاته:
1. الجمع بين الحديث والفقه: لم يكن "الموطأ" مجرد كتاب حديث، بل كان أيضًا مرجعًا فقهيًا يعتمد على العمل بأحاديث النبي وأقوال الصحابة والتابعين، كما جاء في كتاب "الرسالة" للشافعي.
2. اعتماده على عمل أهل المدينة: كان الإمام مالك يرى أن الفقه المستند إلى العمل المتوارث في المدينة هو أقوى الأدلة، فضمّن الموطأ أقوال فقهاء المدينة إلى جانب الأحاديث النبوية، وفقالما ورد في كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم.
3. توثيق الأحاديث بدقة: لم يكن الإمام مالك يروي إلا عن الثقات الأثبات، فكان يقول: "لقد عرضت كتابي هذا على سبعين فقيهًا من فقهاء المدينة، فكلهم وافقني عليه، فسمّيته الموطأ"، حسب ما ذكره ابن عبد البر في "التمهيد".
4. تنظيمه الفريد: قسّم الإمام مالك كتابه إلى أبواب فقهية واضحة، تسهّل على الباحثين استخراج الأحكام والمسائل العلمية، وفقالما ورد في كتاب "الباعث الحثيث" لابن كثير.
أمثلة من الأحاديث في موطأ الإمام مالك
من الأحاديث التي رواها الإمام مالك في باب فضل العلم:
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"إنما العلم بالتعلُّم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" (حديث حسن)، وفقالما ورد في كتاب "صحيح موطأ الإمام مالك" للألباني.
وفي باب الصدقة، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله:"الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله" (حديث صحيح)، حسب ما جاء في كتاب "عون المعبود شرح سنن أبي داود" للعظيم آبادي.
أهم شروحات موطأ الإمام مالك
وحظي الكتاب بعناية العلماء، ومن أبرز الشروحات:
"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" و"المنتقى شرح موطأ الإمام مالك" للباجي، وفقًا لما ورد في كتاب "البدر المنير" لابن الملقن.
وغدا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية