قصص الحيوان بالقرآن (7).. حية موسى: معجزة أذلت غرور فرعون وثبتت إيمان السحرة
آخر تحديث: الجمعة 7 مارس 2025 - 5:18 م بتوقيت القاهرة
أدهم السيد
كرم الله البشر بعضهم على بعض، وكذلك كرم بعض مخلوقاته، فمنها ما أقسم الله تعالى به، ومنها ما وردت قصته في القرآن، ومنها ما كان مضربًا للمثل في الآيات الكريمة. وتحمل قصص تلك الحيوانات الحكمة والعبرة لمن يتدبر كتاب الله، ليجد فيها من العلم ما يغنيه عن الوقوع في الخطأ ونسيان السبيل الصحيح.
وتسرد "الشروق" قصة عصا موسى عليه السلام، وهي من أعظم المعجزات التي شهدها فرعون وقومه، ورغم ذلك لم يؤمن بها، بل استمر في عناده حتى أغرقه الله. وتأتي القصة كما رواها ابن كثير في البداية والنهاية تفسيرًا للآيات من القرآن الكريم.
كان موسى عليه السلام عائدًا من أرض مدين مع أهله، حين رأى نارًا عند الجبل الغربي، فأراد أن يحضر منها شيئًا ليتدفأ به أهله أو يستدل بنورها على الطريق. وعندما وصل إليها في وادي طوى، كلمه الله تعالى وسأله عن العصا في يمينه، ثم أمره بإلقائها، فتحولت إلى حية ضخمة وسريعة الحركة مثل الجان، وهو نوع من الثعابين. فخاف موسى عليه السلام من غرابة ما رأى، فأمره الله أن يمسك بها، وبمجرد أن أمسكها عادت عصًا كما كانت، فكانت هذه آية واضحة أرسلها الله مع موسى إلى فرعون وقومه.
التقى موسى عليه السلام بفرعون وناظره بالحجة والبرهان، لكن فرعون عاند وأعرض، فأراه موسى العصا كدليل حسي واضح. ورغم أن فرعون خاف منها كما يُروى، إلا أنه استمر في عناده، وادّعى أن ما رآه ليس إلا سحرًا، بل تحدى موسى عليه السلام بسحر مماثل، أملًا في الانتصار عليه.
وجمع فرعون السحرة من كل مدن مصر، وكان هذا ما أراده موسى عليه السلام، ليشهد قوم فرعون آية الله جميعًا. لذلك طلب أن يكون التحدي يوم الزينة، حيث يجتمع الناس، وفي وقت الضحى حين تكون الشمس ساطعة، ليظهر كل شيء بوضوح، إذ كانت عصا موسى عليه السلام حقيقة لا تحتاج إلى ليل أو ظلام لتخفيها، بعكس خدع السحرة.
واجتمع قوم فرعون، وجاء السحرة متحمسين لما وعدهم به فرعون من الأجر إن انتصروا، لكن موسى عليه السلام حذرهم من عواقب فعلهم وتحديهم لآيات الله. فأثار ذلك ترددهم، وتشاوروا فيما بينهم سرًا، ثم قرروا المضي قدمًا في التحدي، وواجهوا موسى عليه السلام، فطلب منهم أن يلقوا ما بأيديهم أولًا.
ورمى السحرة عصيهم وحبالهم، وكانوا بارعين في فنون السحر، إذ انبهر الناس وخافوا من مشهد الثعابين المخيفة. وأوجس موسى عليه السلام في نفسه خوفًا، خشية أن ينخدع الناس بسحرهم ويظلوا على كفرهم، لكن الله طمأنه وأمره بإلقاء عصاه.
وحين ألقى موسى عليه السلام عصاه، تحولت إلى ثعبان عظيم يجمع بين الضخامة وسرعة الحركة. ويُروى أنه كان يمتلك أرجلًا بعكس الثعابين الأخرى، فانطلقت الحية تلتهم عصي السحرة وحبالهم واحدًا تلو الآخر، مما أثار ذهول السحرة، وهم الأعلم بأسرار صناعتهم، فأدركوا أن ما رأوه ليس سحرًا، فكانت ردة فعلهم الفورية أن سجدوا لله.
لم يكتفِ السحرة بالإيمان، بل أعلنوا أمام الجميع أنهم آمنوا بالله مع موسى عليه السلام، وأن عصاه ليست سحرًا بل آية من الله. فاستشاط فرعون غضبًا، إذ خشي أن يتبع الناس موسى عليه السلام بعد موقف السحرة المفاجئ، فهددهم بعقاب شديد، متوعدًا إياهم بتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم، لكن السحرة ثبتوا على إيمانهم، وفضلوا القتل على العودة للكفر، مما زاد فرعون إحراجًا أمام قومه.
ونفذ فرعون وعيده، فقتل السحرة بعد أن عذبهم وصلبهم على جذوع النخل ليكونوا عبرة لغيرهم. وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه في ذلك: "كانوا في الصباح سحرة، وصاروا في المساء شهداء"، بعد أن قتلهم فرعون وهم مسلمون.