أحمد عمر هاشم.. قراءة في تأملاته بكتاب معالم على طريق السنة
آخر تحديث: الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 - 2:21 م بتوقيت القاهرة
محمد حسين
شيّع جثمان العالم الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء والرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، ظهر اليوم من الجامع الأزهر الشريف، لدفنه في مقابر العائلة بالزقازيق.
وقد كُفِّن الدكتور هاشم في قطعة من كسوة الكعبة المشرفة، تنفيذًا لوصيته التي أوصى بها قبل وفاته.
وتوفي الدكتور أحمد عمر هاشم عن عمر ناهز 84 عامًا بعد صراع طويل مع المرض، تاركًا خلفه إرثًا علميًا ودعويًا كبيرًا، إذ عُرف بعطائه في علم الحديث النبوي والدعوة، وبحضوره المؤثر في المحافل الدينية والإعلامية داخل مصر وخارجها في مختلف بقاع العالم الإسلامي.
* من هو الدكتور أحمد عمر هاشم؟
وُلد الدكتور هاشم في 6 فبراير 1941 بقرية بني عامر بمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، وتخرّج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1961، ثم حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الحديث وعلومه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، لتبدأ مسيرته الأكاديمية كأحد أبرز المتخصصين في علوم الحديث.
امتدت مسيرته العلمية لأكثر من 5 عقود، بدأها كعضو هيئة تدريس بكلية أصول الدين، ثم عميدًا للكلية، وتدرج في المناصب حتى أصبح رئيسًا لجامعة الأزهر، بعد أن شغل منصب نائب الرئيس للتعليم والشؤون الطلابية، ثم للدراسات العليا والبحوث. وخلال تلك المراحل ساهم في تطوير المناهج، وتعزيز البحث العلمي، ورفع كفاءة الكوادر التدريسية، ما أكسبه احترام طلابه وزملائه على حد سواء.
ألّف الدكتور أحمد عمر هاشم أكثر من 120 كتابًا تناولت موضوعات متنوعة في الحديث النبوي والسنة والسيرة وعلوم الشريعة، وتميزت بدقتها العلمية ومنهجيتها المتوازنة، ما جعلها مرجعًا رئيسيًا للباحثين وطلاب العلم في العالم الإسلامي.
حصل الفقيد على جوائز وتكريمات عديدة، أبرزها جائزة الدولة التقديرية وميدالية العلوم والفنون من الطبقة الأولى، كما اختارته جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم شخصيةً إسلامية متميزة؛ تقديرًا لإسهاماته العلمية والدعوية التي امتدت داخل مصر وخارجها.
وخلال صلاة عيد الأضحى المبارك في يونيو الماضي، قبّل الرئيس عبدالفتاح السيسي رأس الدكتور أحمد عمر هاشم، ودار بينهما حديث ودي قصير عكس تقدير الدولة والرئيس لشخصه ومكانته العلمية والدعوية، وهو المشهد الذي حظي بتفاعل واسع وقتها عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
أهدى الدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس عبدالفتاح السيسي قصيدة شعرية خلال احتفالية وزارة الأوقاف بليلة القدر في أبريل 2022، عبّر فيها عن تقديره للرئيس وجهوده في حفظ أمن البلاد، قائلاً:
لمصر في عهدكم عزمٌ وإصرارُ
ألا يبيت بها عنفٌ ولا عارُ
نحّيتَ عنا ظلامًا طالما عثرتْ
فينا خطارٌ وعانى الأهلُ والجارُ
واليومَ جاءت بكم حين اصطفتْ لها
وللقيادةِ عندَ اللهِ أقدار".
*حجية السنة
في كتابه «معالم على طريق السنة»، تناول الدكتور أحمد عمر هاشم قضية حجية السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي، مؤكدًا أن السنة هي الوحي الثاني الذي لا غنى للأمة عنه في فهم القرآن وتطبيقه.
قال الدكتور عمر هاشم إن السنة النبوية مصدر من مصادر التشريع، موضحًا أن الله تعالى أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيّن أنه المفسر لما أُنزِل إلى الناس، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزّل إليهم﴾،
وقوله تعالى: قل أطيعوا الله والرسول فإن تولّوا فإن الله لا يحب الكافرين.
وأشار إلى أن الله سبحانه جعل معصية الرسول كمعصية الله، وأن طاعة النبي جزء من الإيمان بالله، لافتًا إلى أن من أنكر رسالة الرسول أو رده فقد كفر؛ لأن الإيمان به ركن من أركان الإيمان. واستدل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام».
وقال إن هذا الحديث دليلٌ صريح على أن العصمة لا تكون إلا بعد الإقرار بالشهادتين والعمل بأركان الدين، مما يثبت مكانة السنة في التشريع.
وذكر الدكتور أحمد عمر هاشم أن بعض أصحاب الآراء الجاحِدة من الفرق والطوائف أنكرت حجية السنة جملةً، سواء كانت متواترة أو آحادًا، مستندين إلى فهمٍ خاطئ لبعض الآيات مثل قوله تعالى:ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء.
وقوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء.
وأوضح أن أصل هذه الدعوات هو الاكتفاء بالقرآن وترك السنة، وهي دعوات ظهرت في عصور متأخرة، غابت عنها الفهم السليم لجوهر الوحي، إذ تناسوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبيِّن لما أُنزِل إليه، كما قال تعالى:وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
وبيّن الدكتور هاشم أن الرد على هذه الشبهة يتلخص في أن القرآن لم يأتِ بتفصيل كل الجزئيات، وإنما أحال إلى السنة في البيان والتفسير، فقول الله تعالى: ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء، يعني أن الكتاب بيَّن أصول الدين، أما تفصيل الأحكام وشرحها فقد أوكله الله إلى السنة النبوية، وكلاهما وحي من عند الله، لقوله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزِّل إليهم.
ثم تابع موضحًا الرد على من يُنكر الاحتجاج بخبر الواحد، مشيرًا إلى أن الحديث ينقسم إلى متواتر وآحاد، وأن خبر الآحاد – وإن لم يبلغ حد التواتر – يفيد العلم الظني ويجب العمل به، ما دام راويه ثقةً عدلًا.
وأكد أن جمهور علماء المسلمين من المحدثين والفقهاء قد أجمعوا على وجوب العمل بخبر الواحد، وأنه حجة شرعية معتبرة، بينما خالفت في ذلك بعض الفرق القليلة كـ الخوارج والقدرية والجبائي من المتكلمين.
واستدل بقوله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا، وقال إن الآية تدل على قبول خبر العدل؛ لأن الله أمر بالتثبت في خبر الفاسق فقط، مما يعني أن خبر العدل مقبول بلا تردد.
كما أورد دليلاً من السنة النبوية على ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم:«نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها».
وهو – كما قال الدكتور هاشم – إقرار نبوي صريح بنقل الخبر الواحد والعمل به، ما دام صدوره من الثقات، ليبقى الحديث الشريف مصدرًا أصيلًا للوحي والهداية والتشريع إلى جانب كتاب الله تعالى.