مآذنه صدحت بسقوط بشّار الأسد.. ماذا نعرف عن تاريخ الجامع الأموي في دمشق؟

آخر تحديث: الأحد 8 ديسمبر 2024 - 5:27 م بتوقيت القاهرة

محمد حسين

صدحت مآذن المسجد الأموي في دمشق، اليوم الأحد، بالتكبيرات والابتهالات الدينية، احتفالًا بسيطرة فصائل المعارضة السورية على العاصمة، وإعلان إسقاط النظام وإنهاء حكم الرئيس بشار الأسد.

وتجمع المئات في المسجد الأموي وأدوا أول صلاة فجر بعد سقوط النظام، وسط أجواء من التهليل والتكبير التي ملأت المكان كما بثّ التلفزيون الرسمي السوري عبارة "انتصار الثورة السورية العظيمة".

* عبد الملك بن مروان يزين عاصمته بالجامع الكبير

عندما أصبحت دمشق عاصمة الدولة الأموية، تصور الوليد بن عبد الملك في أوائل القرن الـ8 الميلادي مسجدًا جميلًا في قلب عاصمته الجديدة، التي كانت واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، ليبدأ تشييد المسجد عام 708 ميلادي وينتهي عام 714 ميلادية، ودفع ثمنه من عائدات ضرائب الدولة التي جمعت على مدى 7 سنوات.

* من الوثنية إلى الإسلام.. تعاقب الأديان على موقع بناء الجامع الأموي

ويسجل المسجد تاريخًا طويلًا للأديان، يجعله حاملًا لقصة تعاقب المعتقدات على الشام، فأصل مكان الجامع هو معبد شُيد خصيصًا للإله الآرامي "هدد" ما بين القرنين الحادي عشر والعاشر قبل الميلاد.

الإله "هدد" أو "حدد" أو "آدد" كان إلهًا للعواصف والأمطار، وكان ثوره هو مُطلق صوت الرعد بينما كان يقود هو مركبته ليضرب السحاب بالسوط لتسقط الأمطار، وعندما كان يختفي "غضبًا" أو بسبب صراع مع أحد الآلهة الأخرى يعم الجفاف، وفقًا للمعتقدات القديمة.

وظل هذا المكان معبدًا للإله "هدد" إلى وقت غزو اليونانيين دمشق، إذ وجدوا ضالتهم في هذا المكان لبناء معبد للإله "جوبيتر"، وهو إله السماء والرعد أيضًا، وكان يُعد المعبد بمنزلة درة معابد اليونانيين في المنطقة لجوبيتر، أهم آلهة الدولة الرومانية ليصبح منطقة مقدسة بوجود مذبح في ساحته، وكان شكله مستطيل له أربعة أدراج له 4 مداخل رئيسية.

وفي القرن الرابع الميلادي، خُصص معبد "جوبيتر" لبناء كنيسة ضخمة أطلقوا عليها اسم "مار يوحنا المعمدان" (النبي يحيى)، ونقلوا ما اعتقدوا أنه رأس يوحنا المعمدان إلى الكنيسة الجديدة وقاموا بتوسيع سورها.

ولا يزال الكثيرون يعتقدون بوجود رأس "يوحنا المعمدان" في مقام النبي يحيى الذي بقي موجودًا في قلب الجامع الأموي، وهو أحد المزارات الدينية الشهيرة.

فيما لم يجد الوليد بن عبد الملك مكانًا أفضل من الحيز التاريخي للمعابد في دمشق لبناء الجامع الكبير الذي أصبح أحد أشهر المساجد في العالم.

وكانت كنيسة يوحنا المعمدان شاهدة على دخول المسلمين إلى دمشق، حيث قُسم مكان المعبد القديم إلى نصفين الشرقي خُصص كمسجد للمسلمين والغربي ظل كنيسة. وكان المسجد يطلق عليه اسم "جامع الصحابة"، وظل الوضع لأكثر من قرن حيث كان المسلمون يدخلون من الباب الشرقي والمسيحيون من الباب الغربي.

ومع سعي الوليد بن عبد الملك إلى بناء المسجد الكبير لم يجد موقعًا أفضل من مكان المعبد التاريخي الذي تحول عبر الزمن إلى رمز لدين أهل دمشق.

وقرر بناء جامع بني أمية الكبير في هذا الموقع، حيث ودخل ابن عبد الملك في مفاوضات شاقة انتهت باتفاق بتخصيص 4 كنائس شرق دمشق مقابل ضم كنيسة "مار يوحنا المعمدان" إلى مشروع مسجده الضخم.

ظل البنائون يعملون في هذا الجامع الكبير لمدة عشر سنوات ليكون أول مسجد يظهر فيه المحراب نتيجة وجوده في الطراز المعماري القديم للكنيسة، ويكون أول مسجد يزوره بابا الكنيسة الكاثوليكية هو "يوحنا بوليس الثاني" عام 2001 خلال زيارة رسمية لسوريا.

*جولة في وصف الجامع الأموي

ويصف الكاتب علي طنطاوي في كتابه: "الجامع الأموي في دمشق"، بقوله للمسجد ستة أبواب: منها باب البريد، وهو ثلاثة أبواب، باب كبير في الوسط، وبابان على جنبيه، وكان ثاني البابين الرئيسين للمعبد.

وأما الباب الرئيس الأول فهو باب جيرون المقابل له، وعُرف بعد القرن الخامس بباب الساعات وباب اللبادين، وهو مثله في ثلاثة أبواب ويسمى الآن باب النوفرة، وقوسه لا يزال كما كان من القديم.

وبقي باب المعبد الأصلي وهو من خشب الصنوبر البالغ المتانة، وكان مصفحاً بالنحاس، له مامير كبار بارزة إلى حريق سنة 753 فتشوّه وأثّر فيه الحريق فنقل إلى خزانة الحاصل (إي إلى المستودع) ثم فُقد، وقَدّر المؤرخون عمر هذا الباب حين الحريق بأكثر من ألف سنة.

الباب المسدود الآن وهو وراء المحراب وله باب كبير في الوسط وصغيران على الجانبين، وكان يدخل معاوية والخلفاء من الأوسط، فلما بنى الوليد وأزال الكنيسة صار الخلفاء يدخلون من الباب الأصغر على يسار المحراب.

والباب القبلي هو الذي كان يُعرف بباب الزيادة، وكان يسمى باب الساعات، ثم انتقل هذا الإسم إلى باب جيرون لأن الساعات نُقلت إليه، ويسمى الآن باب القوافين.

وباب الناطفانيين وهو باب الفراديس ويسمى الآن باب العمارةوالباب المحدث إلى مدرسة الكلاسة.

وفي سنة 607 جُدّد باب البريد (أي الأبواب الثلاثة) وركّبت عليها صفائح النحاس الأصفر. وجدّده الملك الظاهر كذلك سنة 673.

وفي سنة 719 حلّيت الأبواب وحسّنت، كان قد سُدّ البابان الصغيران من الباب الشرقي (باب جيرون) بعد حادثة تيمورلنك، وبُنيت دكاكين في رحبة الجامع فهُدّمت أول سنة 820، ورُكّب البابان الصغيران الغربيان سنة 819، والبابان الشرقيان سنة 82p، وقد جُدّدت صفائح النحاس على الأبواب حديثاً.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved