جولة ترامب الخليجية.. ماهو تاريخ زيارات الرؤساء الأميركيين للسعودية؟

آخر تحديث: الثلاثاء 13 مايو 2025 - 10:57 ص بتوقيت القاهرة

محمد حسين

يبدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب جولة خليجية جديدة، تكون المملكة العربية السعودية محطتها الأولى، يعقبها زيارات إلى قطر والإمارات العربية المتحدة.

وتشمل أجندة الزيارة حضور قمة الرياض في 14 مايو الجاري، بمشاركة قادة مجلس التعاون الخليجي، لمناقشة ملفات إقليمية على رأسها الحرب في غزة، ومستقبل المفاوضات النووية مع إيران، والعلاقات الاقتصادية.

اللافت أن زيارة السعودية تمثل أهمية خاصة في أجندة ترامب، إذ كانت مقررة أن تكون أولى زياراته الخارجية في ولايته الثانية، لولا اضطراره لحضور جنازة البابا فرنسيس في روما أواخر أبريل الماضي.

وكانت المملكة أيضًا أولى وجهاته الدولية في ولايته الأولى عام 2017، كاسرًا بذلك تقليدًا غير رسمي بدأه رؤساء سابقون بزيارة كندا أو المكسيك أو بريطانيا أولًا.

وتُعقد بالتزامن مع الزيارة قمة استثمارية كبرى في الرياض في 13 مايو، بمشاركة رؤساء تنفيذيين لشركات أميركية كبرى مثل بلاك روك، آي بي إم، كوالكوم، وألفابت، وتأتي الجولة في سياق محاولة واشنطن تجديد علاقاتها الاستراتيجية مع أحد أقدم حلفائها في المنطقة، بعد مرحلة من الفتور في عهد الرئيس جو بايدن.

ولفهم عمق العلاقة بين البلدين، نستعرض في هذا التقرير تاريخ سجل زيارات الرؤساء الأميركيين إلى المملكة، والذي يمتد لـ8 عقود:

روزفلت والملك عبدالعزيز.. لقاء تأسيس العلاقات على مياه قناة السويس

في 14 فبراير 1945، شهدت قناة السويس حدثًا تاريخيًا بتلاقي الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن البارجة الأمريكية "يو إس إس كوينسي" في البحيرات المرة.

هذا اللقاء، الذي عُرف بـ”قمة كوينسي”، وضع أسس التحالف الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث ناقش الزعيمان قضايا محورية مثل مستقبل فلسطين، وضمان سيادة المملكة، والتعاون في مجالات الأمن والطاقة.

وصل الملك عبدالعزيز إلى موقع اللقاء على متن المدمرة الأمريكية "يو إس إس ميرفي"، قاطعًا مسافة 1200 كيلومتر من جدة، ورغم توفير السفينة طعامًا يكفي لـ60 يومًا، رفض الملك تناوله لكونه مثلجًا، وأصر على جلب خراف لذبحها وفق الشريعة الإسلامية، كما أقام خيمة عربية على متن السفينة وكان يؤم مرافقيه في الصلوات الخمس، وفقًا لشهادة باري مكارثي، أحد العاملين الأمريكيين على متن السفينة، في مقال نُشر بمجلة "لايف" الأمريكية في 19 مارس 1945.

عند وصوله إلى "كوينسي"، التقى الملك عبدالعزيز بالرئيس روزفلت، الذي كان يجلس على كرسيه المتحرك بسبب شلل أصابه في سن الـ39، بدأ اللقاء بمزاح لطيف، حيث قال روزفلت: "أنت أكثر حظًا مني لأنك تستطيع المشي على رجليك"، فأجابه الملك: "لا يا صديقي، أنت الأكثر حظًا، كرسيك المتحرك سيأخذك إلى أي مكان تريد الذهاب إليه وأنت تعلم أنك ستصل، أما أنا فقد أصبحت ساقي أقل موثوقية وتزداد ضعفًا كل يوم".

 استمر اللقاء بين الزعيمين لمدة 5 ساعات، ناقشا خلالها قضايا عدة، أبرزها القضية الفلسطينية، حيث أعرب الملك عبدالعزيز عن رفضه لتوطين اليهود في فلسطين، مقترحًا أن يُمنحوا أراضي في الدول التي اضطهدتهم.

كما طلب الملك من الرئيس الأمريكي ضمان استقلال المملكة وعدم تعرضها لأي غزو خارجي، مؤكدًا أهمية الحفاظ على سيادة بلاده.

في ختام اللقاء، أهدى روزفلت للملك عبدالعزيز كرسيًا متحركًا مشابهًا لكرسيه، مع بطاقة من البيت الأبيض، تعبيرًا عن تقديره واحترامه، كما أهدى الملك للرئيس الأمريكي سيفًا مرصعًا بالألماس، وأحزمة حريرية، وعطورًا لزوجته إليانور، وكهرمانًا صلبًا من البحر الأحمر، وفقا لتقرير لمجلة "المجلة" السعودية.

-نيكسون: أول رئيس أميركي يزور المملكة

في يونيو 1974، زار الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون مدينة جدة، ليصبح بذلك أول رئيس للولايات المتحدة يزور المملكة العربية السعودية بشكل رسمي، منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، جاءت الزيارة بعد أشهر قليلة من حرب أكتوبر 1973، وفي أعقاب أزمة النفط التي فجرها قرار الملك فيصل بن عبدالعزيز بوقف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل.

اصطحب نيكسون في الزيارة وزير خارجيته الشهير هنري كيسنجر، وكانت أجندة المحادثات تركّز على أمن الطاقة العالمي، وتداعيات المقاطعة النفطية، وسبل إعادة الاستقرار إلى أسواق الطاقة، إضافة إلى مستقبل القضية الفلسطينية في ظل التحولات الكبرى التي أحدثتها الحرب.

أقيمت للرئيس الأميركي مأدبة رسمية في جدة، وفيها عبّر نيكسون عن تقديره للدور القيادي للمملكة في العالم العربي، مشيدًا بـ”حكمة الملك فيصل”، وهي العبارة التي تم تداولها في وسائل الإعلام آنذاك، وفي لفتة دبلوماسية لافتة، منح الملك فيصل، نيكسون وشاح الملك عبدالعزيز، أرفع وسام سعودي، في تأكيد لأهمية العلاقة رغم التوتر الذي خلّفته المقاطعة النفطية.

-بوش الأب: زيارة الحرب والردع في الظهران

في نوفمبر 1990، وبعد نحو 3 أشهر من غزو العراق للكويت، أجرى الرئيس الأميركي جورج بوش الأب بزيارة عاجلة واستثنائية إلى المملكة العربية السعودية، في واحدة من أهم الزيارات الرئاسية الأميركية على الإطلاق، والتي جرت في ظل الاستعدادات لعملية "عاصفة الصحراء".

التقى بوش في الرياض بالملك فهد بن عبدالعزيز، وناقش معه ترتيبات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت، والتنسيق العسكري والأمني المطلوب لهذه المهمة، وخلال اللقاء، شكر بوش المملكة على قرارها التاريخي بالسماح بنشر قوات أميركية على أراضيها، في خطوة اعتُبرت حينها تحولًا استراتيجيًا في طبيعة العلاقة بين البلدين.

وفي حدث لافت، أجرى بوش بزيارة ميدانية إلى قاعدة الظهران الجوية، حيث التقى الجنود الأميركيين المنتشرين هناك، وتناول معهم وجبة عيد الشكر مرتديًا زيًّا عسكريًا غير رسمي، ألهمت هذه اللحظة وسائل الإعلام العالمية، وظهرت صورة بوش وهو يحيي القوات من على منصة مرتفعة كواحدة من أبرز رموز قيادة الولايات المتحدة للتحالف الدولي في الخليج.

ترافقت الزيارة مع رسائل حاسمة للعالم بأن الولايات المتحدة والمملكة موحدتان في مواجهة الغزو العراقي، كما وجّه بوش رسائل مباشرة إلى صدام حسين بأن التراجع أو الهزيمة سيكونان حتميَين إذا لم تنسحب القوات العراقية من الكويت.

ولاحقًا، في 1992، عاد بوش لزيارة المملكة مجددًا، والتقى الملك فهد في إطار متابعة مرحلة ما بعد الحرب، وشكر المملكة على دورها في استقرار المنطقة، وفي هذه الزيارة الثانية، قلّده الملك فهد "قلادة الملك عبدالعزيز"، أرفع وسام سعودي، تقديرًا لدوره في حماية أمن الخليج.

-بيل كلينتون: رسائل طمأنة من مدينة الملك خالد العسكرية

في أكتوبر 1994، أجرى الرئيس الأميركي بيل كلينتون زيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية، في وقت كانت فيه المنطقة لا تزال تعيش تبعات حرب الخليج الثانية، وسط مخاوف من تجدد التوتر مع النظام العراقي.

استقبل الملك فهد بن عبدالعزيز الرئيس الأميركي في مدينة الملك خالد العسكرية قرب حفر الباطن، وهي قاعدة استراتيجية أنشئت بدعم سعودي - أميركي مشترك.

خلال الزيارة، ناقش الجانبان الوضع في العراق، وسبل احتواء أي تصعيد محتمل من جانب صدام حسين.

كما تناولت المباحثات التعاون العسكري والصناعي، وكانت صفقة الطائرات التي وقّعتها المملكة لاحقًا مع شركتي بوينج "Boeing" وماكدونل دوجلاس بقيمة قاربت 6 مليارات دولار.

ويعد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أكثر من زار المملكة العربية السعودية، حيث التقى أوباما بالملك عبدالله مرتين، وبالملك سلمان مرتين في 4 زيارات للمملكة خلال فترتي ولايته.

احتلت زيارة أوباما الأولى إلى المملكة العربية السعودية، في يونيو 2009، مساحة بارزة في مذكراته التي حملت عنوان "الأرض الموعودة" (A Promised Land)، حيث استعرض مشاهداته وانطباعاته عن اللقاء الذي جمعه بالعاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وعن تجربته الأولى في المملكة.

كتب أوباما: "وصلت إلى الرياض حيث كان من المقرر أن ألتقي الملك عبدالله، خادم الحرمين الشريفين، وأقوى زعيم في العالم العربي، لم أكن قد زرت المملكة من قبل، وفي حفل الاستقبال الرسمي بالمطار، كان أول ما لفت انتباهي هو الغياب التام للنساء أو الأطفال عن المدرج وصالات المطار، لم أرَ سوى صفوف من الرجال، معظمهم بشوارب سوداء، يرتدون الزي العسكري أو الثوب والغترة".

وبلغت خيبة الأمل لدى المملكة ذروتها بعد أن توسط أوباما في اتفاق عام 2015 بين خصمها الإقليمي إيران وست قوى عالمية للحد من طموحات طهران النووية مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها، وتعتبر دول الخليج العربية البرنامج النووي الإيراني تهديدا لها بينما تقول طهران إنه لأغراض سلمية فقط.

في 27 يناير 2015، اختصر أوباما زيارته إلى الهند وتوجه إلى الرياض لتقديم العزاء في وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، خلال هذه الزيارة، التقى الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي كان قد تولى العرش حديثًا.

-دونالد ترامب: رقصة العرضة واستقبال استثنائي في الرياض

بعكس أجواء الحذر التي سادت خلال عهد باراك أوباما، حظي الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته الأولى إلى المملكة العربية السعودية في مايو 2017، باستقبال رسمي استثنائي عكس رغبة متبادلة في فتح صفحة جديدة بين الرياض وواشنطن.

شارك ترامب في رقصة العرضة التقليدية، ووقع خلال الزيارة اتفاقيات اقتصادية وعسكرية ضخمة بلغت قيمتها الإجمالية 110 مليارات دولار، تركزت على صفقات تسليح وتعاون استثماري طويل الأمد.

ومن أبرز المشاهد الرمزية التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية، ظهوره مع الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، وهم يضعون أيديهم على بلورة مضيئة خلال تدشين المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف "اعتدال" في الرياض، في رسالة رمزية لمكافحة الإرهاب والتطرف.

-بايدن.. أجواء متوترة وزيارة باردة

لم يحظَ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية في يوليو 2022 بالحفاوة ذاتها التي استُقبل بها سلفه دونالد ترامب.

وبدت أجواء التوتر حاضرة في لحظة الاستقبال، حين استُقبل بايدن في جدة بمصافحة "بقبضة اليد" مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بدلًا من المصافحة الرسمية التقليدية، في صورة لاقت اهتمامًا واسعًا من وسائل الإعلام العالمية واعتُبرت مؤشّرًا على فتور العلاقات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved