الاستيطان في فلسطين.. كيف تحوّل حلم موشيه زار إلى كابوس ابتلع الأرض وحاصر السكان؟
آخر تحديث: الأحد 13 يوليه 2025 - 8:17 م بتوقيت القاهرة
إعداد: رنا عادل
برحيل موشيه زار، يعود الحديث مجددًا عن أحد أخطر أدوات الاحتلال الإسرائيلي: المستوطنات.
فمن خلال سياسة التوسع الاستيطاني، جرى ابتلاع الأرض الفلسطينية تدريجيًا، وتحويلها إلى جيوب محاصرة تقطع أوصال الحياة.
- رحيل موشيه زار.. وجه الاستيطان المتطرف
توفي المستوطن المتطرف موشيه زار عن عمر ناهز 88 عامًا، مخلفًا إرثًا ثقيلًا من التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، حيث كان أحد أبرز الشخصيات التي حولت مشروع الاستيطان الإسرائيلي إلى واقع يومي يبتلع الأراضي الفلسطينية تحت غطاء قانوني وحكومي.
بدأت رحلته من القدس التي وُلد فيها عام 1937، وفقد إحدى عينيه في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وشارك في حرب 1973، ثم تفرغ بعد ذلك للاستيطان، وارتبط اسمه بمحاولة اغتيال رئيس بلدية نابلس بسام الشكعة عام 1980.
اشتهر زار بمقولته العنصرية: "بنيت بيتًا، وكان ذلك بمثابة قتل عشرة آلاف فلسطيني."، ما جعله بين الفلسطينيين رمزًا لنهب الأراضي والتمدد الاستيطاني.
- ما هي المستوطنات؟.. أدوات استعمار على الأرض الفلسطينية
تُعرّف المستوطنات بأنها تجمعات سكنية يقيمها الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفق مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
بدأت الفكرة في المشروع الصهيوني، لكنها تصاعدت بعد احتلال 1967، بهدف تغيير الواقع الديموغرافي ومنع قيام دولة فلسطينية.
أبرز وسائل إقامة المستوطنات:
الاستيلاء على الأراضي بحجة "أملاك الغائبين".
صفقات شراء عبر سماسرة مشبوهين.
مصادرة بحجج أمنية.
دعم حكومي مباشر مادياً وقانونياً.
وتعتبر المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
- الجمعيات الاستيطانية.. ذراع العقار الإسرائيلي
لعبت جمعيات مثل "عطيرت كوهانيم" و"عطرا لييوشنا" دوراً حاسماً في التوسع الاستيطاني، عبر تحديد مزعوم لممتلكات يهودية ما قبل 1948 في قلب أحياء فلسطينية مثل طريق الواد وحارة السعدية.
تلقت هذه الجمعيات دعماً من الوزارات الإسرائيلية، واستغلت المعاهد الدينية (ييشيفات) وميزانيات الدولة لتمويل استيلاءها على العقارات.
كما استخدمت أدوات ضغط متعددة ضد السكان الفلسطينيين:
إغراءات مالية ضخمة لإخلاء العقارات.
إهمال مقصود للصيانة.
تغيير مداخل البنايات لفرض عزلة على السكان.
- مراحل التوسع الاستيطاني.. خطة طويلة الأمد
مرّ المشروع الاستيطاني بثلاث مراحل رئيسية:
1. مرحلة السيطرة القانونية والرمزية (بعد 1967)
ضم القدس الشرقية.
توظيف القوانين لمصادرة الأراضي.
2. مرحلة التثبيت المكثف (الثمانينيات)
تصاعد إنشاء المستوطنات.
تسهيل التمويل الحكومي.
بروز دور شخصيات مثل موشيه زار.
3. مرحلة التمدد الاستراتيجي (من التسعينيات فصاعدًا)
إحاطة القدس الشرقية بحزام استيطاني.
بناء الطرق الالتفافية.
تشييد بؤر استيطانية حول الأحياء الفلسطينية.
- أثر الاستيطان على الفلسطينيين.. خنق جغرافي ومعيشي
خلف التوسع الاستيطاني نتائج مدمرة للفلسطينيين:
تقسيم الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة.
مصادرة الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية.
تشريد السكان وفرض الحواجز العسكرية.
حصار ديموغرافي للمجتمعات الفلسطينية.
هذه الإجراءات تحوّل يوميات الفلسطينيين إلى معاناة مستمرة، وسط تغول المستوطنين وسلاحهم، وبدعم كامل من القوانين الإسرائيلية.
- الاستيطان مستمر.. ضمٌ فعليّ تحت غطاء حكومي
رغم الإدانات الدولية، لا تزال المستوطنات تتوسع بوتيرة غير مسبوقة.
فبحسب تقرير للقناة "12" العبرية نُشر في 4 يوليو الجاري:
ارتفعت البؤر الاستيطانية بنسبة 40% خلال حكومة بنيامين نتنياهو الحالية.
أُعلن عن 50 مستوطنة جديدة أُقيمت على أربع مراحل.
رُصد تصاعد في اعتداءات المستوطنين وهدم منازل الفلسطينيين.
وترى الأمم المتحدة أن ما يجري يمثل "تسريعًا للضم الفعلي"، محذرة من أن استمرار التوسع الاستيطاني سيقوّض حل الدولتين تمامًا، ويكرّس واقعًا استعماريًا دائمًا على الأرض الفلسطينية.
برحيل موشيه زار، تُطوى صفحة أحد أبرز رموز الاستيطان، لكن مشروعه لم يمت، بل يواصل الزحف بدعم مؤسسي ورسمي، في مشهد لا يهدد الفلسطينيين فقط، بل يقوّض فرص السلام ويفرض وقائع استعمارية تزداد ترسخًا مع كل دونم يُنتزع.