صنع الله إبراهيم.. وداعا لجسده وتحية لفكره الخالد
آخر تحديث: الأربعاء 13 أغسطس 2025 - 12:12 م بتوقيت القاهرة
شيماء شناوي
رحل عن عالمنا اليوم الكاتب والروائى والقاص الكبير، صنع الله إبراهيم بجسده، لكن اسمه سيظل محفورًا وخالدًا في المشهد الأدبي والثقافي المصري والعربي، ليس فقط كقلم أمضى عقودًا في عالم الكتابة، بل كشاهد يروي التاريخ، ومدافع حقيقي عن حرية الفكر والضمير، ومقاوم شرس لكل ما يعارضهما.
وُلد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937، واختار منذ بدياته أن يكون صوتًا يعبّر عن الناس، ودفع ثمن هذا الاختيار من حريته، حيث تعرض للسجن والعزلة والتهميش في كثير من الأحيان، لكنه حظي طوال مشواره بالاحترام والتقدير الكبيرين.
شكّل والده جزءًا مهمًا من تكوين شخصيته، حيث حرص على إمداده بالكتب والقصص وتشجيعه على القراءة. بدأت موهبته الأدبية تتفتح منذ صغره، وبعد تخرجه من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، تحول إلى عالم الصحافة والسياسة.
شهد إبراهيم فترة مضطربة في التاريخ، حيث عاصر نهاية الاستعمار وبداية الدولة الوطنية، ثم خيبة أمل الهزيمة في عام 1967. هذه الأحداث شكلت وعيه العميق، وظهرت بوضوح في كتاباته التي جمعت بين الواقع والخيال، وبين التوثيق والتمرد.
انضم إلى منظمة "حدتو" الشيوعية المصرية، وفي عام 1959، اعتُقل مع آخرين ضمن حملة شنها الرئيس جمال عبد الناصر ضد اليساريين، وقضى في السجن خمس سنوات حتى عام 1964.
لم يكن صنع الله إبراهيم مجرد روائي، بل كان ناقدًا شرسًا للمؤسسة الثقافية الرسمية، حيث اعتبر أن جوائزها ومهرجاناتها غالبًا ما تخضع لاعتبارات سياسية لا إبداعية، وهو ما جعله ينتقد الواقع الثقافي العربي بشكل مستمر.
في عام 2003، رفض إبراهيم تسلّم جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي، معلنًا احتجاجه على الأوضاع السياسية في مصر. في كلمته الختامية، قال: "أنا أعتذر عن عدم قبول الجائزة لأنها من حكومة تقمع شعبنا وتُشجع الفساد، وتسمح للسفير الإسرائيلي بالبقاء هنا، في وقت تقتل فيه إسرائيل شعبنا وتغتصب أرضه."
وفي بيان وزعه على الحضور، أوضح إبراهيم أن إسرائيل "تنفذ خطة إبادة ممنهجة للشعب الفلسطيني"، بينما تستقبل العواصم العربية قادتها بحفاوة. وأضاف أن "السفير الإسرائيلي يقيم في طمأنينة" بينما "ينتشر الجنود الأمريكيون في كل ركن من أركان الوطن الذي كان عربيًا".
تابع إبراهيم في بيانه قائلاً: "أنا متأكد أن كل مصري هنا يدرك حجم الكارثة التي نعيشها، والتي لا تقتصر على التهديد العسكري الإسرائيلي أو الإملاءات الأمريكية، بل تمتد لتشمل كل جوانب حياتنا".
وأشار إلى تدهور الأوضاع في مجالات المسرح، والسينما، والبحث العلمي، والتعليم، قائلاً: "لم يعد لدينا سوى المهرجانات والمؤتمرات وصندوق الأكاذيب... تفشى الفساد والنهب، ومن يعترض يُهان ويُعذب". وأكد أن الكاتب في ظل هذا الواقع لا يمكنه أن يغض الطرف أو يصمت، فمسؤوليته تتجاوز الكتابة لتشمل التعبير عن الحق.
تميز مشروع صنع الله إبراهيم الأدبي بما يُعرف بـ"أدب التوثيق"، حيث كان يدمج السرد الروائي التقليدي بالوثائق الأرشيفية والتقارير السياسية، مما خلق نصوصًا فريدة تعكس الواقع وتتحدى الظلم.
ترك إبراهيم إرثًا غنيًا من الأعمال الروائية التي أثرت في الأدب العربي، منها: "ذات"، "شرف"، "نجمة أغسطس"، "اللجنة"، "أمريكانلي"، "بيروت بيروت"، وغيرها الكثير.
وبالرغم من وفاته، يظل صنع الله إبراهيم بأعماله ومواقفه رمزًا للأدب الملتزم الذي لا يهاب السلطة ويكشف عيوب المجتمع. يستمر صوته كدعوة دائمة للتفكير النقدي والمساءلة، وكمصدر إلهام للأجيال القادمة لقراءة التاريخ بعين مفتوحة على المستقبل.
نال صنع الله إبراهيم العديد من الجوائز المرموقة خلال حياته، منها "جائزة ابن رشد للفكر الحر" في عام 2004، و"جائزة كفافيس للأدب" في عام 2017