مفتي الجمهورية: العلم والدين جناحان لطائر واحد لا ينهض أحدهما دون الآخر
آخر تحديث: الإثنين 13 أكتوبر 2025 - 2:52 م بتوقيت القاهرة
آلاء يوسف
أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الكوارث الطبيعية تؤثر تأثيرًا مباشرًا في مسارات التقدم والتنمية الاقتصادية والعمرانية، وتزداد خطورتها مع تزايد الكثافة السكانية واتساع الرقعة العمرانية.
وأضاف أن آثار هذه الكوارث تمتد لتعطيل البنية الحياتية وتشريد السكان وإحداث مشكلات بيئية طويلة الأمد، مما يستوجب تبني رؤى وحلول استباقية قائمة على العلم والفكر الراشد لحماية مسيرة التنمية.
وأشار إلى أن استخلاف الإنسان في الأرض يقتضي الإحسان في استغلال موارد البيئة وتوظيفها بما يحقق مقاصد العمران، ليكون العلم ركيزة أساسية في أداء هذا الاستخلاف وضبط مساره.
وأكد أن العلاقة بين الدين والعلم علاقة تكامل وتعاضد لا تعارض فيها، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم زاخر بالآيات التي تدعو إلى التفكير والتأمل والعمل والإبداع، وأن الحضارة الإسلامية كانت شاهدًا على عظمة الفكر العلمي الذي قدمه العلماء المسلمون في مختلف ميادين المعرفة.
جاء ذلك خلال مشاركته في فعاليات المؤتمر العربي التاسع للفلك والجيوفيزياء، الذي يعقد بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية تحت عنوان «العلم من أجل المجتمع»، برعاية الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وبحضور الدكتور طه رابح، رئيس المعهد، والدكتور خالد زهران، رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر، والدكتور محمود صدقي الهواري، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور علي عمر الفاروق، رئيس القطاع الشرعي بدار الإفتاء المصرية، إلى جانب عدد كبير من رؤساء الجامعات والعلماء والباحثين من داخل مصر وخارجها.
ورأى المفتي أن هذا المؤتمر يمثل منطلقًا علميًا للحياة بأبعادها كافة، مشددًا على أن الحديث عن العلم أصبح ضرورة حياتية تفرضها متطلبات الواقع. وأوضح أن العلم هو جوهر الإيمان وسبيل التقرب إلى الله، وهو أيضًا سلوك حضاري يسهم في تحقيق العمران وبناء الإنسان.
وأضاف أن الله تعالى قد ربط بين التعلم والسلوك باعتبارهما غرسًا في الوجدان يؤسس للعلم الرشيد والفكر المستنير، وأن الإسلام أراد للعلم أن يكون قاعدة تقوم عليها الحياة وتنهض بها الأمم.
وبيّن المفتي أهمية التوازن بين عناصر الحياة، موضحًا أنه حين يتعاضد العلم مع العقل تتفتح آفاق التقدم الإنساني على أسس راشدة تجمع بين الإيمان والعلم والعمران. ونبّه إلى أن بعض الطوائف في التاريخ انحرفت عن هذا المنهج فاعتمدت على العلم دون الأخلاق، مما أدى إلى تفكك المجتمعات وتشريد الشعوب، في حين اكتفت طائفة أخرى بالجانب الديني دون السعي إلى المعرفة. أما الطائفة التي آمنت بالتكامل بين الدين والعلم فهي التي يُعول عليها في نهضة الأمم.
وأكد أن الشرع الشريف دعا إلى الأخذ بعلوم الحياة النافعة التي تُسهم في عمارة الأرض وإسعاد الإنسان، مضيفًا أن العقل السليم هو حليف النص الصريح، وأن الفتوى لا تنفصل عن الواقع بل تتفاعل معه وتستجيب لمستجداته.
وأشار إلى متابعة دار الإفتاء لما يستجد من علوم وتقنيات، مفرّقًا بين المشروع والممنوع في ضوء مقاصد الشريعة ومتطلبات العصر، فهي تستعين بعلوم الطب في القضايا الصحية، وعلوم البيئة والمعاملات في شؤون الناس ومعاشهم، وتستفيد من علم الاجتماع في قضايا الأسرة، ومن علوم الجغرافيا والفلك في تحديد اتجاه القبلة والمواقيت والمناسك، وتعتمد على الرصد الفضائي والمعارف الجينية في فتاوى الأجنة والوراثة والأنساب.
وأكد أن الفتوى تتطلب الإحاطة بعنصري الزمان والمكان ومتابعة تطورات العلم الحديث، داعيًا إلى استلهام منهج الأوائل الذين جمعوا بين العقل والنقل في مزاوجة تحقق النهضة الفكرية والأخلاقية الشاملة.
وشدد المفتي على أن موقف الإسلام من المستجدات العلمية والتقنية هو موقف الانفتاح الراشد، حيث ينظر إلى الذكاء الاصطناعي وغيره من مظاهر التقدم العلمي بنظرة قبول منضبطة قائمة على الفهم والتقويم لا على الرفض المطلق، لأن العلم والدين جناحان لطائر واحد لا ينهض أحدهما دون الآخر.
وأكد أن العلاقة بينهما قائمة على التكامل لا الإقصاء، فالعلم الذي ينفصل عن القيم يفقد اتجاهه، والدين الذي يهمل سنن الكون ينعزل عن واقعه، ومن هنا تتجلى ضرورة الحفاظ على هذه العلاقة التي تصون الهوية وترشد المسيرة وتصنع المستقبل على أسس متينة، سائلاً الله تعالى أن يوفق العلماء في أداء رسالتهم بما يعود بالخير على البلاد والعباد.
من جانبه، أعرب الدكتور طه رابح، رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، عن سعادته الكبيرة وتقديره البالغ لحضور المفتي، مشيدًا بما يمثله وجوده من دعم كبير لمسيرة البحث العلمي وتعزيز جسور التواصل بين العلماء ورجال الدين.
وقد قام بتكريم فضيلته مقدمًا درع المعهد عرفانًا بمكانته المرموقة وتقديرًا لدوره الريادي في ترسيخ قيم الوسطية ونشر الوعي والفكر المستنير.