محلل سياسي: وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان لا يزال هشا.. وأستبعد عودة العلاقات لوضعها السابق

آخر تحديث: الأربعاء 14 مايو 2025 - 9:57 ص بتوقيت القاهرة

لندن - د ب أ

أعلنت الهند وباكستان وقف إطلاق النار في 10 مايو لإنهاء صراع عسكري استمر أربعة أيام. وبعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف إطلاق النار لأول مرة على وسائل التواصل الاجتماعي، أكدت حكومتا نيودلهي وإسلام آباد الاتفاق، إلا أنهما اختلفتا إلى حد ما بشأن كيفية التوصل إليه.

وقال الدكتور تشيتيج باجباي ، وهو زميل أبحاث أول في برنامج جنوب آسيا وآسيا والمحيط الهادئ في معهد تشاتام هاوس (المعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية) في تحليل نشره المعهد، إنه بينما أكد ترامب على أهمية دور الولايات المتحدة في التوسط لوقف إطلاق النار، قالت إسلام آباد إن عدة حكومات شاركت في العملية (ومن بينها المملكة المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية). وفي المقابل، قللت نيودلهي من أهمية دور الأطراف الثلاثة، وهو ما يتماشى مع موقف الهند الثابت على مدى عدة عقود المتمثل في التعامل مع قضية كشمير كقضية ثنائية أو داخلية.

ويرى باجباي أن الوضع لا يزال خطيرا، حيث تم الإعلان عن حدوث انتهاكات لوقف إطلاق النار. ولا تزال الدولتان تطبقان الإجراءات العقابية غير العسكرية التي اتخذتها كل منهما، عقب الهجوم الإرهابي الذي وقع في 22 أبريل الماضي في مدينة باهالجام في كشمير وأودى بحياة 26 مدنيا. وتشمل هذه الإجراءات تعليق خدمات التأشيرات وإغلاق المجال الجوي وحظر التجارة الثنائية وإغلاق معبر أتاري-واجاه الحدودي. والأهم من ذلك، أن معاهدة مياه نهر السند لا تزال معلقة بعدما علقت نيودلهي العمل بها.

وقال باجباي إن وقف إطلاق النار لا يعالج أيضا أيا من المشكلات الأساسية في العلاقات الثنائية. وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أشار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى أن الجانبين اتفقا على "بدء محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا في موقع محايد". وقد عقدت محادثات بين مسؤولين عسكريين من البلدين يوم 12 مايو، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كان هذا سيمهد الطريق لحوار سياسي هادف.

وقد أعلنت الهند أن المحادثات يمكن أن تناقش فقط قضايا الإرهاب والشطر الباكستاني من إقليم كشمير، بينما ترغب باكستان في التركيز على استئناف معاهدة مياه نهر السند ووضع الشطر الهندي من كشمير. وكانت آخر مرة أجرت فيها الدولتان محادثات سلام جوهرية هي عملية "الحوار المركب" التي توقفت في أعقاب هجمات مومباي الإرهابية عام 2008.

ويرى باجباي أنه في غياب الحوار السياسي، فإن السؤال الذي يتعين طرحه لا يتعلق بما إذا كانت الدولتان ستستأنفان الأعمال العدائية وإنما بمتى سيحدث هذا. وذكرت نيودلهي أنها ستعتبر أي هجوم آخر مثل هجوم باهالجام عملا من أعمال الحرب، بينما قالت إسلام آباد نفس الشيء فيما يتعلق بأي انتهاك لمعاهدة مياه نهر السند.

وفي الوقت نفسه، تشير التوترات الأخيرة إلى أن كلا البلدين يتجهان نحو مزيد من التصعيد. وقد تغيرت قواعد الاشتباك حيث تبنى كل منهما موقفا عسكريا أكثر حزما.

وقال باجباي إن هذا يشمل استهداف البنية التحتية المدنية والعسكرية خارج الشطرين الهندي والباكستاني من كشمير إلى أراضي البلدين. كما يعكس هذا المعدات العسكرية التي تم استخدامها خلال الأعمال العدائية الأخيرة، بما في ذلك الاستخدام المكثف للطائرات المسيرة وأول نشر للبحرية الهندية في عمليات قتالية منذ حرب عام 1971 بين البلدين.

ونفت الحكومتان التقارير التي أفادت بأن هيئة القيادة النووية الباكستانية عقدت اجتماعا خلال الأعمال العدائية وأن القوات الجوية الهندية ضربت منشأة تخزين نووية باكستانية.

ويرى باجباي أن مثل هذه التقارير توضح مخاوف حقيقية من حدوث تصعيد نووي. وفي أول خطاب له منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، صرح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بأن الهند لن تتسامح بعد الآن مع "الابتزاز النووي". ويشير هذا إلى ادعاء نيودلهي بأن إسلام آباد تعتمد على جهات فاعلة غير حكومية (إرهابية) لمهاجمة الهند، معتقدة أن الترسانة النووية الباكستانية ستردع الهند وتمنعها من الرد.

وأكد اتفاق وقف إطلاق النار مجددا دور الولايات المتحدة كوسيط، وإن جاء بعد تردد، وهو ما ظهر في تصريحات العديد من مسؤولي إدارة ترامب. وكان من بينهم نائب الرئيس جيه دي فانس، الذي أشار إلى أن الأعمال العدائية بين الهند وباكستان "ليست من شأننا في الأساس"، وتصريحات ترامب بأن الدولتين ستجدان حلا "بطريقة أو بأخرى". وأجرى ماركو روبيو عدة محادثات مع كبار المسؤولين الهنود والباكستانيين خلال الأسابيع القليلة الماضية بهدف نزع فتيل التوتر.

كما يظهر دور الوساطة الأمريكي النفوذ الاقتصادي الذي تتمتع به الولايات المتحدة على كلا البلدين، حيث تتفاوض الهند على اتفاقية تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة لتجنب الرسوم الجمركية التي تبلغ نسبتها 26% والتي أعلنتها واشنطن في إطار سياسة الرسوم الجمركية المتبادلة (والتي انخفضت إلى خط الأساس الذي يبلغ 10% ولمدة 90 يوما).

في غضون ذلك، تمر باكستان الآن وسط حزمة الإنقاذ رقم 25 من صندوق النقد الدولي. وقد وافق صندوق النقد الدولي على الشريحة التالية من تسهيل الصندوق الممد للبلاد بقيمة 7 مليارات دولار في اليوم السابق لإعلان اتفاق وقف إطلاق النار. وتم رفع اسم باكستان من "القائمة الرمادية" لمجموعة العمل المالي في عام 2022 بعد وضعها على القائمة في عام 2018، وتسعى إسلام آباد جاهدة لتجنب مواجهة عقوبات اقتصادية متجددة.

وتعرض كل دولة من الدولتين الإجراءات التي قامت بها على أنها انتصار. وقد دارت حرب دعائية بالتوازي مع الصراع العسكري، حيث قللت كل دولة من أهمية خسائرها وبالغت في نجاحاتها.

وقال مودي في خطابه إنه تم قتل أكثر من 100 إرهابي في عمليات الجيش الهندي، وأنه ضرب "جامعات الإرهاب العالمي" - وهي مزاعم نفتها باكستان. ومن جانبها، تزعم باكستان أنها أسقطت عدة طائرات عسكرية هندية، وهو ما لم تعترف به نيودلهي بعد.

واعتبر باجباي أن كل دولة ستستغل فترة الهدوء النسبي هذه لإعادة تقييم الثغرات في موقف الردع الخاص بها وفعالية قدراتها العسكرية، ومن بينها منصات الدفاع الأجنبية الصنع.

وقد نشرت باكستان أنظمة صينية مضادة للطائرات ومقاتلات وصواريخ صينية الصنع، بالإضافة إلى مسيرات تركية الصنع.

وستقوم الهند بمراجعة طائراتها المسيرة الإسرائيلية، والمقاتلات الفرنسية، ونظام صواريخ أرض-جو روسي الصنع.

ويرى باجباي أن التوترات التي حدثت الأسبوع الماضي شكلت أسوأ فترة عداء بين الهند وباكستان منذ حرب عام 1971 . و رغم أن حرب كارجيل عام 1999 شهدت عددا أكبر من القتلى، فإن نطاق العمليات العسكرية الأسبوع الماضي كان أكبر، حيث امتدت إلى ما وراء كشمير إلى داخل أراضي كلا البلدين. كما جاءت تلك التوترات بعد اندلاع اشتباكات حدودية بين الصين والهند في عام 2020، وهو أسوأ اشتعال للتوترات الحدودية بين البلدين منذ أكثر من أربعة عقود.

وبالنسبة لباكستان، ربما يكون الصراع قد أعاد بشكل جزئي صورة الجيش، الذي يستمد شرعيته (ويبرر وجوده المهيمن على السياسة الباكستانية) من أيديولوجيته الراسخة المناهضة للهند.

واختتم باجباي تحليله بالقول إنه تم مؤخرا تمديد ولاية قائد الجيش عاصم منير من ثلاثة أعوام إلى خمسة أعوام. وبالإضافة إلى مؤهلات منير المتشددة، حيث ينظر إليه على أنه أول قائد إسلامي للجيش في باكستان، و هذا يقلل بشكل أكبر من احتمالات تحقيق مصالحة حقيقية أو تقارب بين البلدين في المستقبل القريب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved