بعد تصريحات ترامب.. ما علاقة الولايات المتحدة بسد النهضة الإثيوبي؟

آخر تحديث: الثلاثاء 15 يوليه 2025 - 11:55 ص بتوقيت القاهرة

محمد هشام

للمرة الثانية خلال أقل من شهر، تطرق الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب إلى قضية سد النهضة الإثيوبي، متحدثا عن جهود لحل تلك المشكلة قريبا جدا، مشيرا إلى أن مياه النيل مصدر حياة في مصر، مع الإشارة مجددا إلى وجود تمويل أمريكي لبناء السد.

وتطرح تصريحات ترامب المتكررة حول تمويل الولايات المتحدة للسد تساؤلات عديدة حول وجود أبواب خفية لتمويل السد غير معلنة، فضلا عن الطرق غير المباشرة للتمويل.

فمن غير المعقول أن يكرر رئيس الولايات المتحدة هذه التصريحات إلا إذا كانت لديه معلومات محددة في هذا الشأن.

** تصريحات ترامب

وقال ترامب في تصريحات خلال لقائه مارك روته الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" في البيت الأبيض: "لقد عملنا على ملف مصر مع جار قريب (إثيوبيا)، وهم جيران جيدون وأصدقاء لي، لكنهم بنوا السد وهو ما أدى إلى وقف تدفق المياه إلى نهر النيل".

وأضاف ترامب: "أعتقد أنني لو كنت مكان مصر فسأرغب في وجود المياه في نهر النيل، نحن نعمل على حل هذه المشكلة، لكنها ستُحل. لقد بنوا واحدا من أكبر السدود في العالم، على بعد بسيط من مصر، كما تعلمون، وقد تبين أنها مشكلة كبيرة، لا أعلم، أعتقد أن الولايات المتحدة مولت السد، لا أعرف لماذا لم يحلوا المشكلة قبل بناء السد"، بحسب شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية.

وتابع: "لكن من الجيد أن يكون نهر النيل فيه ماء، فهو مهم جدا كمصدر للدخل والحياة في مصر، إنه شريان الحياة لمصر وسلبه منها أمر لا يصدق، ولكننا نعتقد أن هذه المسألة ستحل قريبا جدا".

وكان ترامب قد تطرق لقضية سد النهضة في منشور على حسابه بمنصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال"، في 21 يونيو الماضي، قائلا: "لن أحصل على جائزة نوبل للسلام للحفاظ على السلام بين مصر وإثيوبيا (سد ضخم بنته إثيوبيا، بتمويل غبي من الولايات المتحدة، يقلل بشكل كبير من تدفق المياه إلى نهر النيل)".

من جهته، زعم أريجاوي برهي، المدير العام لمكتب تنسيق المشاركة الشعبية لسد النهضة، أن منشور ترامب "مغلوط"، وفقا لوكالة "أفريكا بريس" للأنباء.

وقال برهي في تصريحات لوسائل إعلام محلية إن "ما نعلمه جميعا حتى الآن هو أن سد النهضة، منذ عام 2012، تم بناؤه بأموال وجهد ومهارات الشعب الإثيوبي، وبتمويل مباشر من الحكومة الإثيوبية"، على حد تعبيره.

** تمويل سد النهضة

وفقا لموقع "فينانشيال أفريكا" الإخباري المتخصص في الشئون الاقتصادية، تم إطلاق مشروع سد النهضة في عام 2011 بتكلفة تقديرية بلغت 4 مليارات دولار، وقد تم جمع التمويل من خلال الحكومة الإثيوبية، عن طريق بيع سندات حكومية، والمساهمات الشعبية، واقتطاعات من رواتب الموظفين الحكوميين.

وبحسب موقع "ذا حبشه" الإخباري الإثيوبي، تم تمويل سد النهضة بشكل شبه كامل من قبل إثيوبيا نفسها، حيث قامت إثيوبيا بجمع الأموال من خلال السندات الحكومية، والإيرادات المحلية، ومساهمات الجاليات الإثيوبية في الخارج، بينما ابتعد معظم الممولين الدوليين عن المشروع بسبب الجدل المثار حوله، مشيرا إلى أن الدعم المالي غير المباشر من الولايات المتحدة يبدو ضئيلاً للغاية بل إن الولايات المتحدة أوقفت بعض المساعدات لإثيوبيا خلال ذروة الخلاف حول السد.

من جهته، أوضح أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب في برنامجه "الحكاية" على قناة MBC مصر، الشهر الماضي، إنه " لا يوجد تمويل مباشر من البنك الدولي أو الاتحاد الأوروبي، لكن هناك تمويل غير مباشر من بعض الدول، من بينها الولايات المتحدة".

وأشار شراقي إلى أن الولايات المتحدة تمنح إثيوبيا حوالي مليار دولار سنويًا، وهو مبلغ يمكن للحكومة الإثيوبية استخدامه في تمويل سد النهضة وغيره من المشروعات. كما نوه إلى أن الصين تمول شبكة الكهرباء والتوربينات بنحو ملياري دولارعبر البنوك الصينية. وأوضح أن الشركة التي تقوم ببناء سد النهضة هي شركة إيطالية، لكنه أشار إلى أن "معظم الاستثمارات الرئيسية جاءت من الإثيوبيين أنفسهم".

ويشير موقع "ذا حبشه" الإثيوبي إلى أن الولايات المتحدة دعمت من خلال وكالات مثل وكالة التجارة والتنمية الأمريكية، البنية التحتية لقطاع الطاقة في إثيوبيا، عبر إجراء دراسات جدوى وتقديم المشورة لتحديث قطاع الكهرباء.

كما أرسلت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ضمن مبادرة "باور أفريكا " خبراء فنيين وقدمت أدوات لتقليل المخاطر من أجل جذب المستثمرين المستقلين في مجال الطاقة عبر إثيوبيا، من طاقة الرياح إلى الطاقة الحرارية الجوفية.

وصحيح أن هذا الدعم لم يمول سد النهضة بشكل مباشر، لكنه ساهم في تقوية قدرات إثيوبيا في مجال الطاقة وساعد في تمهيد الطريق الذي بات السد يتصدره اليوم، وفقا للموقع الإخبارى الإثيوبي.

** الانخراط الأمريكي في مفاوضات السد

قامت وزارتا الخزانة والخارجية الأمريكيتان بتسهيل المحادثات بين إثيوبيا ومصر والسودان خلال الفترة من 2019 إلى 2020 لمحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن ملء وتشغيل السد. وقررت إدارة الرئيس ترامب في ولايته الرئاسية الأولي قطع نحو 100 مليون دولار من المساعدات لأديس أبابا للضغط عليها في ظل حالة الجمود في المفاوضات.

ومعظم هذا التمويل كان مخصص للأمن الإقليمي وأمن الحدود والتنافس السياسي وبناء التوافق والتغذية، بحسب ما نقلت وكالة رويترز في حينها عن مصدر بالكونجرس الأمريكي.

وأضاف المصدر أن التمويل المخصص لمكافحة الإيدز وبرنامج الغذاء مقابل السلام والمساعدة الدولية في الكوارث والمساعدات الخاصة بالهجرة واللاجئين لن يتأثر.

وصرح مسئول بوزارة الخارجية الأمريكية آنذاك بأن قرار إثيوبيا البدء في ملء السد بينما كانت المفاوضات لا تزال جارية مع مصر والسودان قد قوّض الثقة في المحادثات، ويتعارض مع التعهدات التي سبق أن قدمتها إثيوبيا.

لكن إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في فبراير 2021 خففت من هذا الموقف، وقررت فصل تعليقها لملايين الدولارات من المساعدات الأمريكية لإثيوبيا عن ملف السد، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.

** الأمن المائي قضية وجودية

وكان وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي قد أكد أن الأمن المائي يمثل قضية وجودية لمصر لا تهاون بها على الإطلاق.

وأضاف الوزيرعبد العاطي خلال مقابلة مع برنامج "بالورقة والقلم" الذي يُقدمه الإعلامي نشأت الديهي، عبر شاشة"TeN"، يوم الأحد الماضي، أن هذا الملف يحظى باهتمام بالغ من القيادة ومؤسسات الدولة، موضحا أن هناك لجنة عليا لمياه النيل تتولى إدارة هذا الملف، الذي لا يمثل حكرا على مؤسسة بعينها لكنه مسئولية متكاملة لكل أجهزة الدولة.

ونوه بأن هذه اللجنة يرأسها رئيس مجلس الوزراء وتضم في عضويتها الوزراء المعنيون، مؤكدا أنه يتم الدفع لنقل الصورة الحقيقية لدول العالم بأن هناك طرفًا متعنتًا ولا يحترم القانون الدولي وهو أمر مرفوض.

وأشار إلى أن مصر استنفذت كل جهود التفاوض بعد أكثر من 11 سنة دون أي جدوى، مؤكدا أن مصر تحتفظ بحق الدفاع عن مصالحها المائية حال حدوث أي ضرر.

وشدد على أنه في جميع اللقاءات سواء على المستوى الرئاسي أو الوزاري يتم طرح هذه القضية باعتبار أن قضية المياه هي قضية مصر الأولى، مشيرا إلى أنه أصبحت هناك دراية أكثر من قِبل القادة الأفارقة بشواغل مصر المائية، مؤكدا أن الطرف الآخر في هذا الملف هو المتعنت.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved