عسلية بمليم الوقية.. كيف كان المشهد الأول في مشوار عادل إمام الفني؟
آخر تحديث: السبت 17 مايو 2025 - 10:36 ص بتوقيت القاهرة
محمد حسين
يحتفل الفنان عادل إمام بعيد ميلاده الـ85، اليوم 17 مايو، حيث ولد بحي الخليفة بالقاهرة عام 1940 لأسرة تعود أصولها لإحدى قرى المنصورة، والتي جاءت واستقرت في القاهرة في تنقلات والده الشاويش محمد إمام بطبيعة عمله في مصلحة السجون.
وفي إحدى المرات أمام رئيسه في العمل، الذي كان برتبة لواء ويعمل وكيلًا لوزارة الداخلية سأله: "هل أنت فعلًا والد عادل إمام الممثل؟"، تردد الوالد قليلًا قبل أن يجيب، لكن نبرة الود التي بدت له في صوت اللواء جعلته يقول: نعم عادل ابني، وفوجئ الوالد باللواء يتحدث بإعجاب شديد عن عادل وأعماله التي وصفها بأنها عظيمة.
ورغم غيابه عن الشاشات لمدة جاوزت 5 سنوات، لا تزال ذكرى ميلاد عادل إمام مناسبة تُحيي زخمًا خاصًا، يعبّر عنه جمهوره الممتد من جيل الأجداد إلى شباب الجيل الحالي.. جمهور شهد على صعوده قبل أكثر من 65 عامًا، وآخرون وُلدوا في ظل حضوره ولامسوا تأثيره الذي لم يخفت، بقي في الصدارة بينما تغيّرت الأذواق، دون أن يُزحزحه نجم جديد أو تنسحب من حوله الأضواء كما تفرض عادة قوانين الزمن.
-ضجيج المولد: انطلاقة نجم لم يشعر به أحد
وفي عيد ميلاده، نستحضر أجواء المشهد الأول الذي أداه عادل إمام في مسيرة احترافه، بعدما أثقلته خبرات المسرح المدرسي والجامعي واطلاعه على نصوص الأدب العالمي، ويبدو المشهد كما يصفه أشرف بيدس في كتابه "عادل إمام: الغالب مستمر"، طوفان من البشر، وجوه تذوب وسط الزحام، خليط من الفقراء والأعيان، الصعاليك والصفوة، من جاءوا من كل قرية ونجع ومدينة، لا فرق بين طيب وشرير، بين صاحب حاجة أو باحث عن متعة، الجميع في مولد كبير تعج به الحياة بألوانها الصاخبة وأصواتها المرتفعة.
في قلب هذا المشهد العبثي، حيث الضجيج لا يفصله إلا ضجيج آخر، تبرز صورة الفتى الصغير، يتلمس طريقه وسط كل هذا، لا يملك إلا موهبته وأحلامه، ومزيج من الخوف الطبيعي من الفشل، ولم يكن اسمه معروفًا، ولم تكن له سيرة، فقط ملامح توحي بشيء قادم، وموهبة بدأ بعضهم يشعر بها في الخفاء. جاء المشهد المسرحي الأول شبه مصادفة، حين صُنِع له دور صغير ليلعبه.
وفي الخلفية، كانت الموالد منصوبة: رايات ملونة، خيام، شموع، أضواء زاعقة، بمب، دفوف، أصوات متداخلة، ومزامير تطلق صفاراتها في الهواء، ووسط هذه الفوضى المنظمة، يمشي الفتى حاملاً صندوق الحلوى فوق رأسه وينادي: "معايا عسلية بمليم الوقية".
لا أحد يسمعه، لا أحد يلتفت، لكنه مضى، وتمر السنوات، وينصب مولد آخر، ثم آخر، لكن الفتى لم يعد يبيع الحلوى، فقد أصبح في قلب المشهد هذه المرة، يمتهن كل المهن على الخشبة: الحرامي والضابط، الصنايعي والمحتال، الطيب والشرير، الوزير والصعلوك، الطبيب والمريض، المحامي والمتهم، المتسول والوجيه، الشيخ والقسيس، العاطل والزعيم، لم يترك دورًا إلا وسكنه، لا تقليدًا بل تقمّصًا.
-الموهبة والصبر الطويل
كانت البداية فقيرة، تحتاج إلى أكثر من الموهبة: إلى صبر طويل، وإرادة لا تخون صاحبها في منتصف الطريق، لم يكن الأمر ضربة حظ، بل مسارًا طويلًا بدأ من الهامش، وتسلل تدريجًا إلى المتن، حتى جاء الوقت الذي صارت فيه الطائرات تقلّ المعجبين من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، فقط ليشاهدوا هذا الرجل على خشبة المسرح، لم يكن العرض تجاريًا، بل احتفاء بفن منضبط، نظيف راقٍ، يدخل إليه من يبحث عن المتعة دون ابتذال، والضحك دون تسطيح.
وكما يقول بيدس، لم تكن السهولة هي العنوان، ولا الصعوبة كذلك، فالمعركة الحقيقية كانت في بناء الطريق نفسه، وليس مجرد المشي عليه. رحلة عادل إمام كانت "طقوسًا كاشفة"، يهتدي بها الساعون لتغيير واقعهم، ومثال لموهبة لم تتعجل القفز، بل تسللت بثبات، حتى وصلت إلى أن تصير "معلمًا من معالم بلاده".
-النور الذي تأخر ظهوره
يصفه المؤلف بأنه "واحد من القادمين من الخلف، من الوراء، وربما بعد الوراء من الأماكن التي لا يُلتفت إليها، من آخر الكادر، حيث تقيم الظلال الكاذبة، لكنه لم يكن ظلًا، بل النور الذي تأخر ظهوره، فحين تدقق في الصورة، تكتشف أن الحقيقة الوحيدة في الكادر هي ذاك القادم بهدوء، بثقة، دون أن يصرخ".