الحكومة عصابة تقوض المؤسسات.. مقال عبري يصف آفاق الانهيار الداخلي في دولة الاحتلال
آخر تحديث: الخميس 17 يوليه 2025 - 4:00 م بتوقيت القاهرة
محمد حسين
نشرت صحيفة هآرتس العبرية، مقالاً مطولاً يرصد ما وصفته بـ"الانهيار التام للمؤسسات الحامية للديمقراطية"، داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة أن ما يُعرف تقليدياً بـ"حُراس البوابة" لم يعودوا قادرين على القيام بأي دور، لأن "البوابة نفسها قد زالت".
وأشار المقال الذي كتبه زفي يارئيل، إلى أن المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف-ميارا، ورئيسة المحكمة العليا، وغيرهم ممن اعتُبروا رموزاً لحماية دولة القانون، فقدوا هذه الصفة، ليس لأنهم تغيروا، بل لأن النظام الذي كانوا يحرسونه لم يعد موجودًا، بعدما أزالته الحكومة نفسها، التي وصفها الكاتب بـ"التحالف الفاشي الخارج على القانون".
*تآكل متعمد للسلطات
واتهم المقال السلطة التنفيذية في دولة الاحتلال بأنها لم تعد تمثل الدولة، بل عصابة تسعى لتقويض ما تبقى من مؤسسات، بينما يقوم الكنيست بتمرير قوانين تمنح غطاءً قانونيًا زائفًا لكل الانتهاكات.
كما وصف الشرطة بأنها باتت فرعًا تابعًا لحزب سياسي متطرف، يخدم أجندة غير ديمقراطية، ويُسكت المعارضة بالقمع لا بالقانون.
وذهب الكاتب، إلى حد القول، إن الجيش نفسه لم يعد يحارب من أجل "الدولة"، بل من أجل بقاء الائتلاف الحاكم، مشيرًا إلى أن الجنود يُقتلون في معارك "لا هدف لها سوى إطالة عمر الحكومة"، بينما تُستبعد الفئات الحريدية من الخدمة الإلزامية، في تناقض صارخ مع ما يدفعه الجنود من دمائهم.
لا أحد يَحرس.. لأن لا شيء باقٍ للحراسة
رأى المقال، أن الاعتقاد السائد بوجود خطوط حمراء لا تزال قادرة على وقف هذا الانهيار هو مجرد "وهم جماعي"، فالمؤسسات التي كان يُعوّل عليها للحفاظ على الديمقراطية وقيم المساواة وحقوق الإنسان لم تعد قائمة، ولم تثبت مناعتها أمام ما وصفه الكاتب بـ"المجزرة القانونية والسياسية التي ارتكبتها الحكومة بحقها".
وأشار إلى أن القوانين التي يُنتظر إقرارها في الكنيست تمثل دليلاً صارخاً على "موت الدولة ككيان ديمقراطي"، كما كتب: "ربما سيحصل ما تبقى من هؤلاء الحُراس على تمثال تذكاري في متحف الدولة السابقة، التي كانت ديمقراطية ذات يوم، لكن التماثيل تُنصب للأموات".
من بار إلى زامير.. وهم التعلق بالأمنيين
تناول المقال تحوّل أنظار الجمهور في دولة الاحتلال إلى قادة الأمن، بعد سقوط الثقة في المؤسسات المدنية، فتارة تعلّقت الآمال برئيس جهاز الشاباك رونين بار، وتارة أخرى برئيس هيئة الأركان إيال زامير، لكن الكاتب شدد على أن كليهما لا يمثلان مؤسسات ديمقراطية، بل مؤسسات أمنية لا تحمل في صلب مهامها حماية حقوق الإنسان أو التوازن بين السلطات.
ورأى الكاتب أن استبدال بار بشخص "أيديولوجي" يعد بمفهوم "الحرب الأبدية" هو إعلان صريح بانهيار آخر قلاع التوازن، حيث تحوّل رأس جهاز أمني يعتمد وسائل غير ديمقراطية بطبيعته، إلى "رمز أمل ديمقراطي"، وهو تناقض يعكس حجم الأزمة.
أما زامير، فقد وصفه المقال بأنه "الممثل الشعبي الجديد"، لا لأنه ديمقراطي، بل لأنه يتحدث بلغة الحكومة نفسها، محذّرًا من أن "المدينة الإنسانية" التي تتحدث عنها الحكومة – في إشارة إلى مخيمات التهجير في غزة – ليست سوى "معسكر اعتقال مخطط له"، سيُنتج المزيد من القتلى من الجنود، ويعمق دمار غزة، ويهدر ما تبقى من مكانة الاحتلال دولياً، دون أي أمل حقيقي في استعادة الرهائن.
خطر داخلي لا خارجي
رأى المقال أن التهديد الأكبر الذي يواجه وجود دولة الاحتلال لا يأتي من إيران أو حماس، بل من "الحكومة ذاتها، التي فتحت أبواب الجحيم على شعبها، ولا ترى في انهيار الدولة إلا ثمناً مقبولاً لمشروعها السياسي".
وشبّه المقال اللحظة الراهنة بمراحل سابقة شهدت انتفاضات شعبية داخل إسرائيل، مثل حركة "الأمهات الأربع" التي دفعت الاحتلال للانسحاب من جنوب لبنان، أو التظاهرات الواسعة ضد خطة "الانقلاب القضائي"، لكنه أشار أيضًا إلى أن هذه التظاهرات نفسها ساهمت، وفق رؤيته، في تغذية التوتر الذي أدى إلى هجوم 7 أكتوبر.
دعوة إلى تعبئة عامة
ختم المقال بدعوة صريحة للجمهور في دولة الاحتلال إلى عدم انتظار أي مؤسسة أو قيادة، مشددًا على أن "المعركة الحالية ليست من أجل القادة، ولا من أجل الجيش، بل من أجل تعريف الدولة نفسها".
وكتب: "لم يعد هناك من بوابة، ولم يبق حُراس. وحدها الجماهير تملك الآن القرار؛ إما أن تتحرك، أو تنسحب من التاريخ".