د.أحمد سعيد عزت عامر يكتب: بوابة رقمية للجهاز المصري للملكية الفكرية - نافذة إبداع ومعرفة
آخر تحديث: الجمعة 17 أكتوبر 2025 - 9:45 م بتوقيت القاهرة
في زمن الرقمنة المتسارعة، حيث تتحول الثورة التكنولوجية إلى نبض الحياة اليومية، لم تَعُد الملكية الفكرية مجرد أوراق قانونية جامدة، بل أصبحت فضاءً رقميًّا نابضًا يلتقي فيه الإبداع بالابتكار، وتصبح المعرفة —كما في الهدف الاستراتيجي الرابع من الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية— رأس المال الأسمَى الذي يبني الاقتصاد الإبداعي.
باستقراء تجارب ملهمة لمنصات رقمية للملكية الفكرية إقليميًّا (منصة الهيئة السعودية للملكية الفكرية، ومنصة وزارة التجارة والصناعة القطرية، ومنصة وزارة الاقتصاد والسياحة الإماراتية)، وغيرهم دوليًّا؛ كالوكالة الأوروبية لبراءات الاختراع، نجد أن تلك المنصات تتحول من مجرد موقع إلكتروني، إلى جسر حي يربط التوعية بالخدمات، ويفتح أبواب التواصل أمام المبدعين بأدوات تفاعلية حديثة، مستوحاة من نماذج واقعية عملية.
أدعو -مستلهِمًا قراءةً في الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية (2022 – 2027)، وقانون إنشاء الجهاز المصري للملكية الفكرية رقم 163 لسنة 2023- إلى إطلاق "بوابة الجهاز المصري للملكية الفكرية" بوابةً رقميةً وطنية موحَّدة تعكس الوجه الديناميكي للجهاز، وتُحيي أهدافه برؤية تجمع بين المظهر البصري الجاذب والمضمون الغني؛ فالبوابة الرقمية ليست زخرفة تقنية، بل أداة استراتيجية تُحوِّل النظرية إلى ممارسة ميسَّرة.
أتخيلها مقسَّمة إلى أبواب، كل باب يُصمَّم لشريحة محدَّدة، يضيِّق الفجوة بين المعرفة النظرية والإجراء العملي، مستلهمًا التنوع الثقافي لمجتمعنا:
باب التوعية: مستهدفًا الجمهور العام، الطلاب، ورُوَّاد الأعمال الناشئين، ويقدِّم مقالات مبسَّطة وفيديوهات تفاعلية تُفكِّك مفهوم الملكية الفكرية وأنواعها، كأنها حكايات إبداعية تزرع الوعي بطريقة سلسة.
باب الخبراء والمحتوى المتخصص: يضم مقالات رأي ودراسات تحليلية، إلى جانب أبحاث وطنية وعالمية، يُشبه ندوة افتراضية تُثرِي الفكر، وتُلهِم الابتكار.
باب مستجدات الأحكام ومبادئ محكمة النقض: دليل حي للقضاة والمحامين، يعرض الأحكام القضائية التي تشكِّل الواقع التشريعي، بأسلوب يُحوِّل التعقيد إلى وضوح، مُحدَّثًا باستمرار، ليبقى نبض التطبيق القانوني.
باب الأخبار الإعلامية والفعاليات: لنشر أخبار الجهاز من المؤتمرات، ومبادرات وتنسيق مع الجهات ذات الصلة، ليُحوِّل المنصة إلى ساحة حوار وطني.
أما الباب الأكثر إلحاحًا وأهمية فهو باب ضوابط وشروط التسجيل أو الإيداع، الذي نرجوه مرشدًا عمليًّا يُفصِّل الإجراءات القانونية والتقنية لتسجيل العلامات، وبراءات الاختراع، وحقوق المؤلف، والحقوق المجاورة، وغيرها، مع أدوات تفاعلية تُراعي احتياجات كل مستخدم.
أعلم أن تفاعلية إجراءات هذا الباب هي أمل ينشده كل المعنيِّين والمهمومين بمجال الملكية الفكرية في مصر، وأن رقمنته هي غاية يسعى إليها الجهاز المصري للملكية الفكرية منذ اليوم الأول لعمله، ولعلنا بالِغو هذه الغاية قريبًا.
وإن كان الواقع حلمًا سابقًا، فلعلنا نرى يومًا واقعًا يحسِّن تجربة المستخدم، ويعزِّز كفاءة الخدمات والاختصاصات التي تستهدف تفعيل بعض بنود المادة الرابعة من قانون إنشاء الجهاز، من خلال:
- إنشاء نظام تتبُّع ذكي للطلبات، يتيح للمستخدم تتبُّع حالة طلباته وإن طالت مدة التسجيل أو الإيداع، غير أن المتابعة الحية تعزِّز من الشفافية، وتزيد من فرص اطمئنان الاستثمار في المجال.
- وجود آلية لإرشاد المستخدم بخطوات محاكاة لعمليات التسجيل أو الإيداع، وخطوات ملء النماذج والاستمارات، وما يستتبعه من وجود آلية رقمية لتقديم المتعاملين لطلبات التسجيل أو الإيداع إلى الجهاز رقميًا وإلكترونيًا؛ بُغيةَ التيسير على المتعاملين والجهاز الإداري، وتقليل الأخطاء، وتسريع عمليات تقديم الطلبات، وتتبعها، والمراجعة، والتظلمات وإجراءاتها.
- وآنَ للذكاء الاصطناعي أن يكون له دور في تدشين خدمة دردشة آلية ذكية؛ للإجابة عن استفساراتٍ، واقتراح حلول لمشكلات بسيطة؛ تحسينًا لتجربة العملاء، وتوفير الدعم الفوري.
- أما إذا ما تطرَّق الأمر إلى إنشاء منصة تدريب رقمية لتُقدِّم دورات تدريبية من خلال مواد مرئية تهدف إلى رفع مستوى الوعي بحقوق الملكية الفكرية؛ فسيكون ذلك تفعيلًا لاختصاص من اختصاصات مجلس إدارة الجهاز، كما هو منصوص عليها في (م/6 فقرة 9 من قانون إنشاء الجهاز).
- وأما الدفع والسداد الإلكتروني فهو أمر يجدر العمل عليه أولًا وقبل كل هذه الأفكار؛ إعمالًا لمبدأ الشمول المالي المستقر، وإعمالًا لقانون تنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدي رقم 18 لسنة 2019، والأفكار متجددة ومتعددة لا يَحُدُّها حد، ولا يُوقِفها جدار.
إنها دعوة لتدشين بوابة علمية عملية إعلامية تفاعلية، وليست خطوة عابرة، بل مرآة لدور الجهاز كحارس استراتيجي للإبداع المصري، يُعزِّز من مكانة مصر في عالم الابتكار، بإطلاقها نُعلن للعالم أن في مصر المعرفة ليست امتيازًا، بل حق مقدس، والحماية ليست واجبًا روتينيًّا، بل عهد وطني يحتضن الفكر والفن، مُرسِيًا أُسُس اقتصاد إبداعي تفخر به الأجيال، ومرسخًا لمبدأ أن الاستراتيجية وقانون إنشاء الجهاز لم يكونَا سوى حجرَي أساس يُبنى عليهما، وينشأ ويعلو فكر يحقِّق استدامة ريادة مصر.
* عضو لجنة حماية حقوق الملكية الفكرية - المجلس الأعلى للثقافة