عشاء مع الملك توت.. كتاب جديد عن طبيعة الحياة في الحضارات القديمة المصرية والصينية

آخر تحديث: الجمعة 18 يوليه 2025 - 7:49 م بتوقيت القاهرة

منى غنيم

قدم الكاتب والعالم الأمريكى، سام كين، عبر أحدث كتبه بعنوان «عشاء مع الملك توت: كيف أعاد علماء الآثار المتمردون خلق مشاهد وأصوات وروائح ومذاقات الحضارات المندثرة»، عملًا استثنائيًا مزج بين البحث العلمى والسرد الأدبى، بأسلوب حيوى حرص على تسليط الضوء على علم الآثار التجريبى، وهو ذلك الفرع النشط من الدراسات الأثرية الذى يركز على إعادة تمثيل أنماط الحياة القديمة بدقة.
وعبر صفحات الكتاب الجديد الذى تربع على قوائم أمازون لأفضل الكتب مبيعًا هذا الأسبوع، انطلق «كين» فى رحلة بحثية ميدانية ممتدة تهدف لتعريف القارئ بروح الحضارات القديمة وطبيعة العيش فيها؛ تبدأ منذ 75 ألف سنة فى سهول إفريقيا، وتنتهى فى المكسيك فى القرن السادس عشر، مرورًا بمصر القديمة وروما وأوروبا والفايكنج والصين فى العصور الوسطى، التقى خلالها بمجموعة متنوعة من المتخصصين - بعضهم علماء آثار وآخرون من الهواة - يسعون جميعًا لفهم الماضى من خلال التجربة والمعايشة، وليس من خلال النظريات وحدها.
وما يميّز هذا العمل ليس فقط ثراؤه بالمادة العلمية، بل التزام المؤلف نفسه بالمنهج التجريبي؛ إذ شارك بنفسه قبل تأليف الكتاب فى صنع الأدوات الحجرية، ودباغة الجلود، وتحنيط الأسماك، وحتى تجربة الوشم اليدوى بالطريقة القديمة، رغم أنه لا يميل للوشوم فى الأصل، وقد برر ذلك بقوله إن الوشم كان ظاهرة عالمية فى عصور ما قبل التاريخ، وإن فهمها يتطلب معايشتها، كل ذلك من أجل تقديم تجربة خالصة للقارئ عن طبيعة الحياة فى الحضارات القديمة، وكيف كان البشر يعيشون ويفكرون ويعملون.
وتجنّب «كين» الطرق التقليدية المملة للتنقيب الأثرى، وعبّر عن ذلك بصراحة مشيرًا إلى شعوره بالإحباط أثناء مشاركته فى أعمال التنقيب عن بعض الحفريات، واصفًا إياها بأنها «مملة إلى أقصى حد»، وعلى النقيض، فقد أبدى حماسة كبيرة تجاه علم الآثار المعايشى أو التجريبى؛ حيث صوّره كوسيلة لإحياء الماضى بطريقة حية ومباشرة.
وخصص المؤلف كل فصل من فصول الكتاب لموقع تاريخى وزمن معين، وقدم من خلاله لمحة عن الحياة فى تلك الفترة، إلى جانب لقاءاته مع الباحثين الذين يعيدون تمثيل مظاهرها؛ ومن أبرز هذه اللقاءات، زيارته للمهندس شيموس بلاكلى، وهو أحد مطورى جهاز «إكس بوكس» للألعاب، والذى يهوى فى أوقات فراغه خبز العجين المخمر على الطريقة المصرية القديمة، مستخدمًا خمائر استخلصها بنفسه من أوانٍ أثرية.
ورغم الطابع الطريف لبعض هذه التجارب، فإن «كين» لم يتوانَ عن خوض مغامرات أكثر إثارة، كإجراء عملية «ثقب الجمجمة» لأحد الغزلان، أو تذوق الحشرات التى كانت طعامًا شائعًا فى حضارات أمريكا الوسطى القديمة، كما شارك فى مشروع مدرسى يهدف لإعادة بناء طريق رومانى قديم داخل فناء مدرسة أمريكية، فى تجربة جمعت بين التعليم والتاريخ الحى.
ومن أبرز ملامح الكتاب، استخدام «كين» للقصص الخيالية المستوحاة من الاكتشافات الأثرية؛ فعلى سبيل المثال نذكر فصل عن مستوطنة نيوليتية فى تركيا؛ حيث نسج المؤلف قصة خيالية لامرأة تُدعى «دارجا»، تم العثور على بقاياها وهى تحتضن جمجمة حمراء، وهذه المقاطع السردية، رغم طابعها الأدبى، لا تمجّد الحياة القديمة، بل تسلط الضوء على صعوباتها ومآسيها، وغالبًا ما تنتهى بموت الشخصيات.
ولكن تبقى الشخصيات الواقعية التى التقاها «كين» خلال رحلاته من أجل تأليف الكتاب – من الباحثين والعلماء والهواة – أكثر جذبًا من الشخصيات الخيالية؛ فهناك شىء مبهج فى رؤية هذا القدر من الشغف بكل تفصيلة من تفاصيل الماضي، سواء كان ذلك فى تصفيف الشعر الرومانى أو إعادة تصنيع الأسلحة القديمة، كما ورد عبر صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية.
ويعد كين مدافعًا قويًا عن علم الآثار التجريبى، وقد أشار إلى أن هذا التخصص غالبًا ما يُقابَل بالشك من قبل المؤسسات الأكاديمية، ورغم ذلك، فإنه يرى أن هذا النهج هو وحده الذى يُعيد إحياء الماضى بطريقة لا تُضاهى.
وفى الختام، قال المؤلف إنه يأمل أن يساعد كتابه فى تقريب المسافة بيننا وبين من عاشوا قبلنا، وأن يُذكّرنا بأنهم كانوا مثلنا تمامًا لا يختلفون عنا فى شىء، وهى رسالة تتماشى مع الروح الإنسانية التى عبر عنها «كين» طوال الكتاب، سواء فى تعاطفه مع شخصياته التاريخية أو مع الباحثين المولعين بإحياء الماضى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved