السويداء تشتعل.. اشتباكات درزية - بدوية وتدخل إسرائيلي مباشر يعيد رسم خريطة الجنوب السوري
آخر تحديث: الجمعة 18 يوليه 2025 - 10:10 م بتوقيت القاهرة
بيت لحم – وكالة معا
تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا تصعيدًا غير مسبوق في الاشتباكات بين فصائل درزية محلية ومسلحين من القبائل البدوية، في ظل تدخل عسكري إسرائيلي مباشر وغارات جوية كثيفة، وسط حالة من الفوضى الميدانية والانقسام السياسي والطائفي، ما يعيد طرح تساؤلات حول مستقبل الجنوب السوري في ظل تسابق القوى الإقليمية والدولية على رسم مساراته.
وبحسب تقارير إعلامية، أبرزها تقرير "تايمز أوف إسرائيل"، فإن ما لا يقل عن 516 شخصًا لقوا حتفهم خلال أربعة أيام من الاشتباكات، منهم 233 من أبناء السويداء، بينهم 71 مدنيًا، بينما قتل 261 من قوات الأمن والجيش السوري، من ضمنهم 18 من العشائر البدوية. وأكدت مصادر ميدانية أن من بين الضحايا 83 شخصًا أُعدموا ميدانيًا على يد قوات النظام، فيما قُتل ثلاثة بدو بينهم امرأة وطفل على يد مسلحين دروز.
في موازاة ذلك، شنت إسرائيل غارات جوية على دمشق وجنوب سوريا، استهدفت مقر وزارة الدفاع ومواقع قرب القصر الرئاسي، متعهدة بحماية الدروز من النظام السوري. وأسفرت الضربات عن مقتل 15 من عناصر الأمن السوري وثلاثة مدنيين، إضافة إلى صحفي محلي، ما فاقم الخسائر في صفوف المدنيين والإعلاميين.
ورغم إعلان وقف إطلاق النار يوم الأربعاء، إلا أن القتال استؤنف الخميس، إذ أشار قائد بدوي إلى أن الهدنة لا تشمل مقاتليه، الذين يسعون للإفراج عن بدو محتجزين لدى فصائل درزية. في المقابل، أكد الزعيم الدرزي يوسف جربوع أن وقف إطلاق النار قائم، بينما تستمر الاشتباكات في مناطق عدة من السويداء، مما يشير إلى هشاشة التهدئة.
وزارة الداخلية السورية نشرت نقاط تفتيش داخل المدينة وأعلنت نيتها إعادة السيطرة الكاملة عليها، إلا أن اتفاق هدنة جزئية أدى إلى انسحاب الجيش، وتسليم الأمن لـ"مجلس السويداء العسكري" وفصائل محلية درزية.
ووسط هذا المشهد الدموي، ظهرت تقارير عن انتهاكات ارتكبتها القوات النظامية، شملت ضربًا علنيًا وقتلًا خارج نطاق القضاء بحق مدنيين دروز، بينما تحدثت منظمة العفو الدولية عن إعدامات ميدانية ارتكبها الطرفان.
ويأتي هذا التصعيد في ظل تحركات سياسية إقليمية متسارعة؛ إذ تحدثت تقارير إسرائيلية عن تدخل وشيك بري في جنوب سوريا. وقد نقلت إسرائيل وحدة 92 من غزة إلى الجولان، وأدخلت 15 دبابة إلى الأراضي السورية، وأعلنت عن تقديم مساعدات إنسانية للسويداء بقيمة مليوني شيكل، فيما تشير مصادر إسرائيلية إلى احتمال اجتياح كامل للجنوب وبلوغ مشارف دمشق.
وبالتزامن، اقتحم نحو ألف من دروز فلسطين الحدود نحو السويداء، قبل أن يطلب الجيش الإسرائيلي منهم التراجع، واعدًا بحماية الطائفة الدرزية.
المفارقة أن الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، الذي يتزعم تيارًا قوميًّا إصلاحيًّا، سبق أن تلقى دعمًا إسرائيليًا في مراحل سابقة عندما كان جزءًا من فصائل جهادية. وتوثق تقارير إسرائيلية، منها من "هآرتس" و"تايمز أوف إسرائيل"، تعاونًا سابقًا مع جبهة النصرة وفصائل أخرى، شمل دعمًا لوجستيًا وطبيًا مقابل ضمانات بعدم مهاجمة إسرائيل أو الدروز.
وفي تطور لافت، قالت مصادر دبلوماسية إن وفدًا سوريًا زار أذربيجان لحضور مؤتمر أمني برعاية إسرائيل، والتقى مسؤولين إسرائيليين، حيث عبّر الشرع عن نيته الانضمام إلى اتفاقات إبراهيم في إطار تسوية سياسية–أمنية أشمل تشمل لبنان والسعودية.
وبحسب تقارير رويترز، فإن إسرائيل تسعى لاستخدام ملف حماية الدروز كورقة ضغط لإعادة ترتيب جنوب سوريا ضمن خطة لتفكيك البلاد إلى ثلاث مناطق نفوذ: جنوب درزي بإدارة إسرائيلية، شمال تركي، ووسط سني ضعيف.
ويتزامن ذلك مع أزمة تجنيد تواجهها إسرائيل، وطرح بعض المحللين سيناريو تجنيد الدروز السوريين لتعويض النقص في الجيش، مستندين إلى تجربة دروز فلسطين وفتوى الشيخ موفق طريف التي شرّعت خدمتهم العسكرية.
ويروّج أنصار هذا التوجه بأن انضمام دروز سوريا إلى الجيش الإسرائيلي هو "انضمام لإطار حماية"، وليس خيانة، بل "تحالف طائفي–عسكري مشروع" خاصة بعد المجازر التي ارتكبتها جبهة النصرة سابقًا بحقهم.
في خطابه الأخير، أعلن الرئيس الشرع رفضه لأي محاولات تقسيم أو تدخل خارجي، متهمًا إسرائيل بمحاولة استغلال الموقف لخلق فتنة داخلية. وقال: "لن نسمح بتحويل أرضنا إلى ساحة فوضى"، مضيفًا أن "حماية الدروز مسؤولية وطنية خالصة، ولن نسمح باستغلالهم لأجندات خارجية".
مع ذلك، استمرت الاشتباكات وتواصل القصف في السويداء، بينما توالت الدعوات الإقليمية لوقف التصعيد. وأصدرت الدول العربية وتركيا بيانًا مشتركًا دعت فيه لاحترام سيادة سوريا ورفض التدخلات، دون أن يتضمن تهديدات أو إجراءات فعلية ضد إسرائيل، ما يعكس تغيرًا في موازين الإقليم.
وتطرح مجمل التطورات الراهنة في السويداء فرضيات متضاربة، فبين حرب أهلية جديدة، أو تدخل إسرائيلي موسّع، أو تسوية إقليمية تشمل الاعتراف بإسرائيل، تبقى محافظة السويداء ومجتمعها الدرزي على خط الزلازل الإقليمي.
ويبقى السؤال: هل الجنوب السوري مقبل على ولادة كيان درزي مستقل برعاية إسرائيلية أم أنه سيكون شرارة لتقسيم جديد يعصف بسوريا؟