أزمة النقد المسرحي على طاولة نقاش المهرجان القومي للمسرح
آخر تحديث: الجمعة 18 يوليه 2025 - 4:24 م بتوقيت القاهرة
ضمن فعاليات المحور الفكري للدورة الثامنة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري، الذي يُقام تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية وبرئاسة الفنان محمد رياض، نُظمت ندوة بعنوان "أشكال الخطاب النقدي الجديد بين النقد الانطباعي والتطبيقي"، بمشاركة نخبة من النقاد والباحثين، هم: الناقد باسم صادق، والناقد محمد النجار، والكاتب محمد عبد الوارث، وأدار الجلسة الدكتور أحمد عامر، بحضور عدد من المسرحيين والمتخصصين في النقد والبحث المسرحي.
- باسم صادق: التحول الكبير في العملية الإبداعية منح الصورة البصرية السلطة الأكبر
استعرض الناقد باسم صادق خلال مداخلته ورقته البحثية التي جاءت تحت عنوان "الخطاب النقدي الجديد في المسرح المصري المعاصر.. قراءة تطبيقية على عروض: هاملت بالمقلوب، ماكبث المصنع، الملك لير"، مسلطًا الضوء على التحولات الجمالية والنوعية التي شهدها المسرح المصري خلال العقدين الأخيرين.
وأوضح صادق أن هذه التحولات لم تكن سطحية، بل كانت جوهرية في أنماط التعبير الجمالي والطرح الفكري، وهو ما استدعى بالضرورة تحولات موازية في الخطاب النقدي، الذي كان في السابق يعتمد على التحليلات البنيوية أو التفسيرية باستخدام أدوات تقليدية.
وأضاف: "مع التحول الكبير في العملية الإبداعية، أصبحت الصورة البصرية هي صاحبة السلطة الأكبر، بما تحمله من عناصر سينوغرافية متجددة، ومن تفكيك للدراما الكلاسيكية إلى لوحات منفصلة متصلة برابط درامي، وهو ما فرض على النقد أن يبحث عن أدوات معاصرة أكثر تمردًا وخروجًا عن القوالب النقدية الكلاسيكية".
- محمد النجار: النقد الحقيقي يواكب الإبداع.. والانطباعي يدخلنا في أزمات
في كلمته، أشار الناقد محمد النجار إلى الإشكاليات الكبرى التي تواجه النقد المسرحي الجديد في الوقت الراهن، مؤكدًا أن هناك فجوة بين الأدوات الكلاسيكية "المقولبة" التي لا تواكب التطور، وبين الأشكال الجديدة من الخطاب النقدي التي تسعى لمواكبة الحركة المسرحية المعاصرة.
وأكد أن النقد الانطباعي – الذي يقوم على الحالة المزاجية للناقد – يمثل أزمة حقيقية لأنه قد يظلم العروض المسرحية، مشددًا على أهمية أن يتحرر الناقد من قناعاته الشخصية وأدواته الجامدة.
وأضاف النجار: "المشكلة لم تعد فقط في المنهج، بل أيضًا في أدوات النشر، فمع تحول جريدة 'مسرحنا' إلى إصدار إلكتروني، واقتصار مجلة 'المسرح' على الإصدار الشهري، إضافة إلى ضيق المساحة المتاحة على المواقع الصحفية الإلكترونية، أصبحت فرص النشر الجاد قليلة ومحدودة".
ودعا إلى تجاوز مرحلة النقد التطبيقي المحض والانفتاح على أنماط خطاب جديدة تواكب الحركة الفنية، تمامًا كما حدث في العصور السابقة عندما تطور النقد مع الحركة المسرحية منذ أرسطو وكتابه "فن الشعر".
- محمد عبد الوارث: الناقد فقد سلطة المعرفة الكلية.. والمتلقي أصبح أكثر تقدمًا
من جانبه، قدّم الناقد محمد عبد الوارث مداخلة غنية بالأسئلة والتأملات، بدأها بالتساؤل: "كيف نصل إلى مفهوم الخطاب النقدي؟"، موضحًا أن المقصود بالخطاب هنا هو اللغة التي يُكتب بها النقد، ومدى قدرتها على التواصل مع المتلقي.
وأشار عبد الوارث إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي أحدثت تحولًا جوهريًا في شكل الخطاب النقدي، خاصة بعد ثورة يناير، حيث لم تعد المسألة مرتبطة بما إذا كان الناقد يعلم أو لا، بل بمدى قدرته على مواكبة المتغيرات، محذرًا من بقاء الناقد في دائرة المعارف التقليدية التي تجاوزها المبدع والمتلقي على حد سواء.
وقال عبد الوارث: "علينا أن نعترف بأن الناقد فقد سلطة المعرفة الكلية التي كان يتمتع بها سابقًا، بسبب تطور التكنولوجيا وتعدد المنصات الإعلامية التي باتت تستلزم نوعًا مختلفًا من الخطاب النقدي، قادرًا على التفاعل مع جمهور مختلف ومتنوع".
وأكد أن كل وسيلة إعلامية تخلق جمهورها الخاص، وهو ما يعني أن على الناقد أن يُعيد النظر في أدواته وخطابه ليستجيب لمتطلبات العصر الحديث.
واتفق المتحدثون في ختام الجلسة على ضرورة تطوير أدوات النقد المسرحي ووعيه بموقعه داخل الحراك الإبداعي، داعين إلى الانفتاح على المدارس الحديثة، والاستفادة من وسائط الإعلام الجديدة، وتوسيع المساحات المخصصة للنقد المسرحي في الصحافة والمجلات الثقافية.
وشهدت الجلسة تفاعلًا حيًا من الحضور، وتُعد هذه الندوة واحدة من أبرز جلسات المحور الفكري التي تفتح ملفات شائكة حول مستقبل الخطاب النقدي المسرحي في مصر والمنطقة العربية.