وكيل الأزهر الشريف: دعم القضية الفلسطينية واجب شرعى وأخلاقى وليس مجرد موقف سياسى

آخر تحديث: الخميس 18 سبتمبر 2025 - 8:38 م بتوقيت القاهرة

حوار - آلاء يوسف

- الضوينى لـ«الشروق»: نرفض جميع أشكال التطبيع مع الكيان الصهيونى.. ونواجه تطرفه بمنهج فكرى وإعلامى متكامل
- الأزهر قوة مصر الناعمة لنشر الوسطية عبر معاهده وقوافله الدعوية والطبية فى إفريقيا
- نتصدى للجماعات المتطرفة فى الدول الإفريقية من خلال تفنيد دعاواها وتحصين الشباب ضد أفكارها
- مبادرات عالمية للأزهر لتعزيز الحوار والسلام فى مناطق النزاع
- تجديد الخطاب الدينى مسئولية العلماء لتحقيق التوازن بين ثوابت الدين ومتطلبات العصر

 

أكد وكيل الأزهر الشريف، محمد الضوينى، أن دعم القضية الفلسطينية ليس مجرد موقف سياسى، بل هو واجب شرعى وأخلاقى. هذا الالتزام الراسخ يمثل حجر الزاوية فى رسالة الأزهر التى تتجاوز حدود التعليم الدينى لتشمل الدفاع عن قضايا الأمة ونصرة المستضعفين.

فى هذا الحوار الشامل مع «الشروق»، يرد الضوينى ملفات هامة تتعلق بجهود الأزهر فى مواجهة التطرف، وتجديد الخطاب الدينى، وتعزيز التعاون مع الدول الإفريقية، إلى جانب دوره فى نشر قيم التسامح والأخوة الإنسانية.

وإلى نص الحوار:


- كيف يتصدى الأزهر لتصاعد التطرف الصهيونى وخطابه العدائى ضد العرب ‏والفلسطينيين؟

الأزهر الشريف كان ولا يزال فى طليعة المؤسسات المدافعة عن قضايا الأمة العربية والإسلامية، وموقفه ثابت فى رفض الاحتلال الصهيونى للأراضى العربية، والذى يعتبره انتهاكًا لحقوق الشعب الفلسطينى التاريخية والشرعية. فمنذ وعد بلفور عام 1917 واحتلال فلسطين عام 1948، يدين الأزهر هذه الجرائم، ويشدد على أن الصراع مع الاحتلال ليس مجرد نزاع حدودى، بل هو صراع وجودى يمس هوية الأمة وكرامتها.
كما يرفض الأزهر بشكل قاطع كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيونى، ويستنكر سياسات التوسع فى الضفة الغربية والجولان، كما يدين التصعيدات الإسرائيلية فى لبنان.
ونتصدى للفكر الصهيونى والخطابات العدائية من خلال نهج فكرى ودينى وإعلامى متكامل؛ بالتأكيد على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى أرضه ومقدساته، مع إدانة الجرائم الصهيونية المتكررة، خصوصًا المستهدفة للقدس والمسجد الأقصى، والتحذير من محاولات تهويد المقدسات وطمس هويتها الإسلامية والعربية.
ويتبع الأزهر نهجًا متكاملًا لمواجهة الفكر الصهيونى، حيث يعمل مرصد الأزهر العالمى لمكافحة التطرف على رصد الخطابات العدائية وتحليلها، ثم إصدار تقارير بلغات متعددة لفضح الانتهاكات وتوضيح الحقائق للرأى العام العالمى. كما يضطلع الأزهر بدور محورى فى تعزيز الوعى بالقضية الفلسطينية على مستوى الشعوب، مع التركيز على إبقائها حية فى وجدان الأجيال الناشئة عبر المناهج الدراسية والفعاليات التوعوية.

- ما أبرز الدول الإفريقية التى تتعاون مع الأزهر الشريف؟


يعتبر الأزهر الشريف أحد أدوات قوة ناعمة لمصر فى القارة الإفريقية ووجهة تعليمية ودينية رئيسية لطلاب القارة. ولتعزيز هذا الدور، تم تشكيل لجنة مختصة بالشئون الإفريقية فى ديسمبر 2018.
ويمتد تأثير الأزهر إلى مختلف أنحاء القارة من خلال بعثاته التعليمية التى تعلم اللغة العربية وتنشر الإسلام الوسطى، حيث أنشأ 16 معهدًا أزهريًا فى دول مثل نيجيريا، وتشاد، والنيجر، والصومال، وجنوب إفريقيا، وأوغندا. كما تبرم جامعة الأزهر اتفاقيات علمية مع الجامعات الإفريقية، وتشمل تبادل الخبرات وأعضاء هيئة التدريس، وتوفير منح دراسية. ويستهدف الأزهر تعزيز فهم الإسلام المعتدل الذى يتماشى مع واقع المجتمعات الإفريقية، حيث يشكل المسلمون نحو نصف سكان القارة.
وبالإضافة إلى ذلك، يرسل الأزهر قوافل طبية وإغاثية لتقديم خدمات متكاملة فى دول مثل السودان، والنيجر، والصومال، وتشاد، وبوركينا فاسو. وتعمل المنظمة العالمية لخريجى الأزهر على تأهيل الأئمة والدعاة الأفارقة عبر دورات متخصصة لتصحيح المفاهيم الخاطئة ومكافحة الفكر المتطرف وتعزيز التعايش السلمى.



- كم عدد الطلاب الوافدين من إفريقيا للدراسة فى الأزهر؟ وما الدعم المقدم لهم؟

يستضيف الأزهر سنويا ما يقرب من 10 آلاف طالب وافد من مختلف الدول الإفريقية يدرسون فى معاهده وكلياته من خلال منح دراسية مجانية، حيث يقدم لهم تعليما متميزا فى مختلف التخصصات، ويؤهلهم كدعاة وعلماء ينشرون قيم الإسلام السمحة ويعززون روح التسامح والتعايش السلمى فى مجتمعاتهم، أى إنهم بمثابة سفراء للأزهر فى أوطانهم، يحملون رسالته العالمية فى نشر الوسطية ومواجهة الفكر المتطرف.

ويوفر الأزهر لهم بيئة تعليمية متكاملة تجمع بين برامج أكاديمية متقدمة وأنشطة ثقافية ودينية متنوعة من خلال مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين، كما يقدم دعما يشمل الإقامة المجانية فى مدينة البعوث الإسلامية، إضافة إلى رعاية اجتماعية وصحية متكاملة؛ كما يوفر برامج متخصصة لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، مما يؤهلهم للقيام بدورهم فى خدمة مجتمعاتهم بأفضل صورة ممكنة.

- ما دور الأزهر فى مواجهة الجماعات المتطرفة فى الدول الإفريقية؟

يلعب الأزهر الشريف دورا محوريا فى مواجهة الجماعات المتطرفة فى إفريقيا من خلال عدة وسائل. أبرزها مرصد الأزهر العالمى لمكافحة التطرف، الذى ينشر الفهم الصحيح للدين الإسلامى ويحلل الخطاب المتطرف ويرد عليه بأسلوب علمى مدروس. ويعمل المرصد على تفنيد الشبهات التى تروجها الجماعات الإرهابية، مستخدمًا لغات متعددة ووسائل إلكترونية لضمان وصول رسالته إلى مختلف الشعوب الإفريقية.

كما أرسل الأزهر بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين قافلة السلام إلى عاصمة إفريقيا الوسطى «بانجى» عام 2015، حيث نظمت لقاءات وأنشطة لتعزيز المصالحة الوطنية ونبذ الفرقة بين المسلمين والمسيحيين، ومع تزايد خطر جماعة «بوكو حرام» الإرهابية على أمن منطقة غرب إفريقيا، تصدى الأزهر لهذا التحدى عبر مواجهة فكرية مع هذه الجماعة، إذ عمل «مرصد الأزهر» على تفنيد مزاعمها والرد على شبهاتها، مع توعية الشباب بخطورة الانضمام لصفوفها.
وامتدت جهود الأزهر لتشمل «حركة الشباب الصومالية» التى تنشط بشكل ملحوظ فى دول شرق إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقى، حيث عمل على كشف ضلالها وتفنيد خطاب الكراهية الذى تروج له فى كينيا والصومال، محذرا من تداعياته على استقرار المجتمعات الإفريقية.

- ما المعايير التى يتبعها الأزهر فى تحديد وجهات قوافله الدعوية إلى إفريقيا؟

بناءً على الطلبات التى ترد للأزهر من كل دولة واحتياجاتها، حيث تُدرس وتُحلل التحديات التى تواجه كل دولة لاختيار البرامج الدعوية التى تناسبها، ومن ثم تُحدد الأولويات بناءً على التقارير الميدانية والتوصيات الصادرة عن الهيئات والمؤسسات الرسمية المحلية بها؛ ويكون التركيز على المناطق التى تشهد نزاعات أو تعانى من غياب التعايش السلمى بين مكوناتها المجتمعية.

وتأتى المرحلة الثانية فى شكل فرق دعوية متخصصة تضم أساتذة من جامعة الأزهر ووعاظًا ملمين باللغات المحلية بكل دولة لضمان إيصال الرسالة إلى مختلف الشرائح بطريقة مناسبة. كما تُصمم البرامج الدعوية بعناية لتعزيز قيم التسامح ونشر الفكر الوسطى، مع تقديم الدعم التعليمى والتثقيفى اللازم، وإجراء ورش عمل ودورات تدريبية لإعداد الكوادر المحلية القادرة على استدامة الجهود الدعوية وتحقيق تأثير إيجابى طويل الأمد.

- ما طبيعة عمل مركز حوار الأديان فى الأزهر؟ وما الفرق بينه وبين مشروع «قوافل السلام» و«حوار الشرق والغرب»؟

«مركز حوار الأديان فى الأزهر الشريف» منصة رائدة لتعزيز قيم الحوار والتفاهم بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة؛ ويركز على بناء جسور التواصل والتعاون بين المجتمعات المتنوعة، من خلال عقد لقاءات وندوات فكرية ودينية تجمع ممثلين من مختلف الأديان والحضارات.

وينظم بشكل دورى لقاءات مع ممثلين دينيين وأكاديميين عالميين، ويشارك فى مؤتمرات دولية تهدف لتعزيز ثقافة السلام. كما يعمل بالتنسيق مع المنظمات الدولية الرسمية ذات الصلة لإطلاق مشاريع مشتركة تسهم فى نشر قيم التسامح وإيجاد حلول عملية للتوترات بين الثقافات.

ويتخذ كل من مركز حوار الأديان، ومشروع «قوافل السلام»، ومبادرة «حوار الشرق والغرب» أشكالا مختلفة فى طبيعتها وأهدافها. يركز مركز حوار الأديان على اللقاءات الفكرية والدينية ذات الطابع الأكاديمى والحوارى، بينما تتخذ «قوافل السلام» طابعا ميدانيا، حيث ترسل وفودا إلى مناطق النزاع لتعزيز السلم المجتمعى. أما «حوار الشرق والغرب» فهى مبادرة أوسع تهدف إلى بناء جسور بين الثقافتين الشرقية والغربية من خلال فعاليات شبابية وثقافية لتعزيز التعددية الثقافية والدينية.

- ما المقصود بتجديد الخطاب الدينى وما منهجية الأزهر فى تحقيقه؟

تجديد الخطاب الدينى عملية دقيقة تتطلب توازنًا بين فهمٍ عميق لثوابت الدين ومبادئه الراسخة وبين إدراك التغيرات والمتطلبات التى يفرضها العصر؛ ولا يُترك للآراء العشوائية أو الاجتهادات غير المؤهلة، بل هو اختصاص العلماء الثقات الذين يمتلكون أدواته ومتطلباته، وهو منهج متأصل فى الإسلام.

وتميز الأزهر بمنهجية التجديد التى تعتمد أولًا على القرآن الكريم والسنة النبوية، وتستلهم من التراث ما يناسب مفاهيم العصر لتقديم خطاب دينى مستنير يحقق الاستقرار المجتمعى من خلال توضيح الأحكام الشرعية وتطبيقها على واقع الناس؛ ومن هنا، فإن المؤسسات الدينية وعلماءها يتحملون مسئولية كبرى فى قراءة الواقع واستيعاب التحديات وتقديم خطاب يواجه مظاهر التشدد والعنف والانحراف الأخلاقى.

- كيف تدير مشيخة الأزهر ملف المنح الدراسية؟

تتسم إدارة المنح بعدة اعتبارات رئيسية، أبرزها تحقيق العدالة فى توزيع الفرص، وضمان وصول المنح إلى مستحقيها من الطلاب المتميزين أو المحتاجين الذين لا تتوفر لديهم الإمكانيات المالية لاستكمال دراستهم؛ وتُراعى الأولويات الاستراتيجية للأزهر فى دعم الدول والمناطق التى تعانى من ضعف فى التعليم الدينى أو انتشار الأفكار المتطرفة، أو التى تشهد صراعات وتحديات فكرية تهدد تماسك مجتمعاتها.

ويتم تقييم احتياجات الدول المتقدمة بطلبات المنح بالتنسيق مع سفاراتها أو المؤسسات الدينية المعنية، لضمان تحقيق أقصى استفادة من هذه المبادرة بما يخدم أهداف الأزهر فى بناء كوادر علمية ودينية قادرة على نشر السلام والتسامح فى العالم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved