ماذا وراء الهجوم الأمريكي على الحوثيين؟
آخر تحديث: الأربعاء 19 مارس 2025 - 9:55 ص بتوقيت القاهرة
واشنطن - د ب أ
صعّدت الولايات المتحدة ضرباتها ضد الحوثيين في اليمن، في خطوة تعكس نهج إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ممارسة أقصى الضغوط على إيران ووكلائها.
وتقول بورجو أوزسيليك، وهي باحثة أولى في أمن الشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن وحاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست إن الرئيس ترامب تعهد في أسبوعه الأول من ولايته، بتصنيف جماعة أنصار الله، المعروفة باسم الحوثيين في اليمن، كمنظمة إرهابية أجنبية. ودخل القرار حيز التنفيذ في أوائل مارس. وبعد أسابيع، في 15 مارس، أمر ترامب بشن ضربات جوية وبحرية واسعة النطاق على عشرات الأهداف في مناطق يسيطر عليها الحوثيون المدعومون من إيران.
وترى أوزسيليك أنه من خلال إعطاء الضوء الأخضر لأكبر قصف عسكري حتى الآن في ولايته الثانية، تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق عدة أهداف في آن واحد: إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين، وتطبيق سياسة "الضغط الأقصى" ضد قدرة إيران على تمويل وكلائها، وتوجيه تحذير لمشتري النفط الإيراني الخاضع للعقوبات، وعلى رأسهم الصين.
وقد بررت إدارة ترامب استخدام القوة العسكرية ضد الحوثيين باعتباره إجراء ضروريا للحفاظ على "المبدأ الأساسي لحرية الملاحة، الذي تعتمد عليه التجارة الدولية." إلا أن حسابات واشنطن تتجاوز مسألة الأمن البحري.
فللإدارة الأمريكية جدول أعمال جيوسياسي أوسع نطاقا، يشمل التصدي لنفوذ الصين الاقتصادي، لاسيما اعتماد بكين على النفط الإيراني. ومن خلال استهداف الحوثيين، لا تعمل الولايات المتحدة فقط على حماية الممرات الملاحية الحيوية، بل تمارس أيضا ضغوطا على محور الطاقة بين إيران والصين، وهو عنصر رئيسي في الاستراتيجية الإقليمية لبكين.
وبحسب أوزسيليك، تهدف العملية العسكرية الأمريكية أيضا إلى منع الحوثيين من ترسيخ نفوذهم داخليا في ظل عملية السلام الهشة هناك، وإحباط قدرتهم على إعادة تنظيم صفوفهم لدعم عقيدة الدفاع المتقدم الإيرانية المحدثة، التي تعتمد على تمويل وكلائها. وقد يؤدي استمرار الحملة العسكرية الأمريكية إلى إضعاف الترسانة العسكرية للحوثيين وربما تصفية قيادتهم.
لكن الحوثيين يديرون اقتصاد حرب يتسم بالتنوع، يتيح لهم تحقيق أرباح من تهريب سلع غير مشروعة تتراوح ما بين الوقود والسجائر والمكونات ذات الاستخدام المزدوج والمواد العسكرية، إضافة إلى فرض الضرائب ككيان شبيه بالدولة. وهذا يجعل نظام العقوبات الأمريكي والغربي ركيزة أساسية لمواجهة الحوثيين، لكن تعمق علاقاتهم مع جهات فاعلة رئيسية يعقد فعالية تلك العقوبات.
وفي عام 2024، كانت الصين الوجهة الرئيسية لما يصل إلى 90% من صادرات النفط الإيرانية، ما يؤكد تنامي العلاقات الاقتصادية بين بكين وطهران رغم العقوبات الأمريكية. ومن خلال المساهمة في تمويل الخزانة الإيرانية، تساعد الصين فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في تمويل وكلاء مثل الحوثيين. ومنذ أكتوبر من العام الماضي، كشفت إعلانات بارزة لوزارة الخزانة الأمريكية عن روابط سرية بين الصين والحوثيين.
وفرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أفراد حوثيين مقيمين في اليمن والصين لدورهم في تسهيل نقل الأسلحة والمكونات ذات الاستخدام المزدوج إلى اليمن. على سبيل المثال، وُصفت شركة صفوان الدبي للشحن والتجارة، ومقرها اليمن، بأنها شركة متخصصة في الشحن والخدمات اللوجستية ولها وجود في الصين، وهي جزء من شبكة شركات وهمية تتيح للحوثيين إخفاء عمليات شحن الأسلحة. كما فرضت عقوبات على عدة شركات صينية في أكتوبر لتورطها في نقل مواد ذات استخدام مزدوج إلى الحوثيين.
وتقول أوزسيليك إن هذه التطورات كشفت عن شبكة سرية تربط بين الصين والحوثيين، ما يثير تساؤلات حاسمة لصناع السياسات الدفاعية والأمنية في الولايات المتحدة. وقد يؤدي استهداف الحوثيين إلى تداعيات أوسع، ليس أقلها التأثير على تدفق النفط الإيراني إلى الصين. ورغم صعوبة تأكيد ذلك، فقد أفادت تقارير بأن الحوثيين ربما تلقوا تعويضات مالية أو أشكالا أخرى من الدعم من الصين، مثل مكونات عسكرية صينية الصنع، مقابل السماح بمرور السفن المرتبطة بالصين بحرية في البحر الأحمر.
وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية مؤخرا فرض عقوبات على وزير النفط الإيراني، محسن باكنجاد، بالإضافة إلى "شبكة من ميسّري الشحن في عدة ولايات قضائية، والذين من خلال التعتيم والخداع، يقومون بتحميل ونقل النفط الإيراني لبيعه لمشترين في آسيا." وتستهدف العقوبات مقدمي الخدمات البحرية، بما في ذلك ثلاث شركات وثلاث سفن، قامت بتسهيل عمليات نقل النفط الإيراني من سفينة إلى أخرى خارج حدود الموانئ في جنوب شرق آسيا. جاء ذلك عقب عقوبات سابقة في فبراير استهدفت أفرادا وكيانات وسفنا متورطة في تهريب ملايين البراميل من النفط الإيراني بقيمة مئات الملايين من الدولارات، حيث كانت الصين الوجهة الرئيسية لها.
وفي إطار سياسة روسيا الخارجية المناهضة للولايات المتحدة، ورد أن موسكو قدمت بيانات استهداف عبر الأقمار الاصطناعية للحوثيين لضرب السفن الأمريكية في البحر الأحمر والممرات المائية المجاورة. وقد تعمّقت العلاقة بين روسيا والحوثيين خلال الصراع في غزة، وزادت وضوحا في 5 مارس عندما فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عقوبات على سبعة من كبار قادة الحوثيين بتهمة تهريب مواد عسكرية وأنظمة أسلحة والتفاوض على صفقات تسليح مع روسيا. كما شملت العقوبات عنصرا حوثيا يُشتبه في قيامه بتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا لصالح روسيا. ومع انشغال بوتين حاليا بشروط وقف إطلاق النار التي توسطت فيها الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، فمن غير المرجح أن تواصل موسكو دعمها للحوثيين، الذين كانوا أداة نفوذ مؤقتة وليسوا جزءا من استراتيجية طويلة الأمد.
وفي 14 مارس، عُقد اجتماع ثلاثي بين روسيا وإيران والصين في بكين لمناقشة البرنامج النووي الإيراني وقضايا أخرى. وأكد الدبلوماسيون الحاضرون على "ضرورة إنهاء جميع العقوبات الأحادية غير المشروعة." وبالنظر إلى استفادة الصين من التحايل على العقوبات وشرائها النفط الإيراني بأسعار مخفضة، فإن دوافعها واضحة. لكن هذه العلاقة تتجاوز المصالح الاقتصادية، حيث ترى بكين قيمة في الإبقاء على علاقاتها مع طهران، ما يمنحها نفوذا على أي محادثات أمريكية-إيرانية مستقبلية أو أي اتفاق نووي محتمل.
وفي منتصف مارس، أجرت الدول الثلاث مناورات بحرية مشتركة تحت اسم "حزام الأمن البحري 2025" في خليج عمان. ومن المتوقع أن تتصاعد التوترات الجيوسياسية في الممرات المائية الاستراتيجية بالشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة، في ظل استمرار التوترات الأمريكية-الإيرانية.
وأصبح الحوثيون ركيزة استراتيجية لإيران، ومن المرجح أن تسعى طهران على المدى الطويل إلى تعزيز قدراتهم للحفاظ على الحصار البحري في البحر الأحمر وربما توسيعه. وتزايدت أهميتهم لدى إيران، خاصة بعد الخسائر التي تكبدتها شبكاتها في لبنان وغزة وسوريا.
ومع تقييد قدرة إيران على نقل الدعم المالي والتقني للحوثيين، من المتوقع أن تعمد الجماعة إلى تصعيد أنشطتها في شبكات التهريب غير المشروعة، بما في ذلك تهريب المخدرات والنفط والتبغ، لتعزيز قوتها الاقتصادية والتنظيمية. وتشكل التحالفات الناشئة بين الحوثيين والجماعات الإرهابية مثل "القاعدة في جزيرة العرب" و"حركة الشباب" في الصومال تهديدا متزايدا. وإذا رأى الحوثيون أن هجماتهم لم تُلحق ضررا كبيرا، فقد يوسعون نطاق عملياتهم العسكرية من البحر الأحمر ومضيق باب المندب إلى منطقة القرن الأفريقي.
ومن خلال استهداف الحوثيين ضمن حملة "الضغط الأقصى" على إيران، تؤكد الولايات المتحدة أنها لن تتردد في ضرب الجماعات المسلحة المرتبطة بطهران. وهذا يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران في العراق قد تكون الهدف التالي في الأشهر المقبلة، مع تكثيف واشنطن ضغوطها على بغداد لنزع سلاح هذه الفصائل وتقليص النفوذ الإيراني في البلاد، وذلك قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر.