منزل الطفولة الذي هدمته الأيام.. انهيار عقار نور الشريف يعيد حكاية الاسم والحرمان في قلب السيدة زينب
آخر تحديث: الخميس 19 يونيو 2025 - 1:57 م بتوقيت القاهرة
محمد حسين
في مشهد مؤلم، اهتز حي السيدة زينب العريق يوم الأربعاء على وقع انهيار عقار سكني قديم، أسفر عن وفاة شخصين وإصابة خمسة آخرين.
لكن هذا العقار لم يكن كغيره من بيوت القاهرة التاريخية، فقد عرفه سكان الحي بأنه "منزل طفولة الفنان نور الشريف"، أحد رموز الفن المصري والعربي، لتتحول المأساة إلى استدعاء تلقائي لذاكرة فتى عاش بين جدرانه بداية الحلم وتفاصيل الوجع الإنساني.
العقار المنهار، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1951، كان يتكون من طابق أرضي وأربعة طوابق متكررة، وتحوّل مع الزمن إلى شاهد صامت على نشأة الطفل محمد جابر، الذي عرفه الجمهور لاحقًا باسم "نور الشريف".
هذا الاسم الذي لم يكن مجرد شهرة فنية، بل قصة حقيقية تشكّل جزءًا من طفولته المليئة بالتساؤلات والحرمان والدفء الشعبي في آنٍ واحد.
"لا تسألوني عن أبي.. فأنا لا أعرف عنه شيئًا"
في كتاب "حكاية نور الشريف: بين الحرمان والحب والسينما والسياسة والمؤامرات" للكاتب سيد الراني، يسرد نور الشريف بنفسه فصولًا من طفولته في حي الخليفة المجاور، حيث يقول: "ولدت في 28 أبريل 1946، ولا تسألوني كثيرًا عن والدي، فلا أعرف عنه سوى اسمه جابر محمد، شاءت الأقدار أن يغادر ويفارق هذه الحياة مبكرًا".
نشأ نور في كنف عمه "إسماعيل"، الذي كان يناديه بـ"نور"، وهو الاسم الذي اختاره له جده. وكانت الأسرة، كما يصفها، نموذجًا في التضحية والشهامة رغم الفقر والظروف القاسية.
لكن الطفولة البريئة تلقت أول صدماتها حين التحق بالمدرسة الابتدائية، وواجه للمرة الأولى اسمه الحقيقي: محمد جابر.
درس الحياة الأول في طابور المدرسة
يروي نور الشريف لحظة الاكتشاف بمرارة: "نادى المدرس على اسم محمد جابر ولم أجب، لأنني كنت أعرف نفسي باسم نور إسماعيل. حين واجهني المدرس، بكيت.. وشعرت بصدمة وجودية: من أكون؟ ولماذا لم يخبرني أحد باسمي الحقيقي؟".
تلك اللحظة كانت كفيلة بهز كيان طفل صغير، طرح على نفسه أسئلة الكبار دفعة واحدة: أين والدي؟ ولماذا لا أعيش مع أمي؟ ولماذا أنا محمد في الأوراق، ونور في البيت؟
حضن العمة.. ووجه الحقيقة
حين عاد إلى البيت، احتوته عمته وباحت له بالحقيقة كاملة: أن والده توفي وهو طفل رضيع، وأن عمه إسماعيل اختار تربيته مع شقيقته، وتخلى عن حياته الخاصة من أجلهما.
وذكر: "قالت لي عمتي إن جدي هو من اختار اسم نور، وإنه لا بأس في أن يكون للإنسان اسم رسمي وآخر شعبي، وإن إسماعيل أبي كما هو، لأنه لم يبخل عليّ بشيء".
لم تكن تلك القصة مجرد تربية في بيت العائلة، بل كانت أول درس عن الحب والتضحية والهوية والغياب، وهي القيم التي ظل نور الشريف يستدعيها طوال مسيرته الفنية.
انهيار المكان وبقاء الذاكرة
بقدر ما كان انهيار العقار مأساة إنسانية، فقد أعاد أيضًا تسليط الضوء على جانب إنساني قلما يعرفه الجمهور عن الفنان الراحل.
ذلك المنزل، الذي أصبح الآن كومة من الأنقاض، ظل لعقود يحمل بين جدرانه صوت طفل يناديه الجميع بـ"نور"، بينما يسجل في دفاتر المدرسة باسم "محمد جابر".
اليوم، ومع غياب المبنى، تبقى الذكرى. وتبقى الحكاية حية في وجدان عشاق نور الشريف، لا باعتباره نجمًا سينمائيًا فقط، بل كأحد أبناء القاهرة الشعبية الذين صنعوا من الألم والحرمان منصة لانطلاق المجد.