التنمر في المدارس.. خطر يهدد فرحة العودة إلى الفصول
آخر تحديث: الجمعة 19 سبتمبر 2025 - 5:11 م بتوقيت القاهرة
سلمي محمد مراد
تستعد الأسر المصرية لعودة أبنائها إلى المدارس صباح الغد، بحماس مصحوب بترتيبات الحقيبة المدرسية والزي الجديد والكتب، لكن توجد قضية أخرى لا تقل أهمية عن الاستعدادات التقليدية، وهي ظاهرة التنمر داخل الفصول والساحات المدرسية، ففرحة العودة إلى الفصول قد تتحول إلى معاناة يومية إذا لم يتم التصدي لهذه الظاهرة.
أرقام تدق ناقوس الخطر
وبحسب تقرير صادر عن اليونسكو، يتعرض طالب من كل ثلاثة طلاب للعنف الجسدي مرة واحدة على الأقل سنويًا، فيما يعاني طالب من كل ثلاثة شهريًا من التنمر التقليدي داخل المدرسة، أما التنمر الإلكتروني فيطال طفلًا من كل عشرة، لتتفاقم آثاره النفسية من عزلة شديدة وأرق وحتى أفكار انتحارية في بعض الحالات.
وتشير الدراسات كذلك إلى أن بعض الفئات أكثر عرضة من غيرها، إذ تواجه الفتيات نسبًا أعلى من العنف القائم على النوع الاجتماعي تصل أحيانًا إلى 25%، ويحدث نحو 40% من هذه الحوادث داخل المؤسسات التعليمية نفسها، وهو ما يعزز الحاجة إلى سياسات تحمي الطلاب، وتضمن بيئة مدرسية آمنة للجميع.
ما هو التنمر؟
بحسب موقع speed high، يعتبر التنمر هو سلوك متكرر يستهدف إيذاء الآخرين نفسيًا أو جسديًا، وغالبًا ما يرتبط بوجود خلل في توازن القوى، وقد يحدث وجهًا لوجه أو عبر الإنترنت، ويمارسه فرد أو مجموعة ضد ضحية واحدة أو أكثر.
وتتعدد أشكاله بين: جسدي كالضرب أو الدفع، لفظي مثل السخرية والتهديد، اجتماعي المتمثل في إقصاء متعمد أو نشر شائعات، إلكتروني عبر الرسائل أو وسائل التواصل، عنصري أو ديني، جنسي، أو بسبب الإعاقة والمظهر الخارجي.
لماذا يتنمر الطلاب؟
يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، في تصريحات خاصة لـ "الشروق"، إن بداية العام الدراسي تشهد عادةً سعي الطلاب لإثبات مكانتهم داخل الفصل، وقد يلجأ البعض إلى التنمر كوسيلة لذلك، وتشمل الدوافع الأخرى ضعف الثقة بالنفس، الغضب أو الغيرة، تقليد سلوكيات عنيفة في الأسرة، أو رغبة ضحية سابقة في قلب الأدوار.
ويضيف أن التنمر يبدأ غالبًا من الأسرة: "الخلافات المستمرة بين الزوجين تضغط على الأبناء وتدفع بعضهم للتنمر على زملائهم، لكن الأسرة الهادئة والمتماسكة تربي أبناءً أكثر توازنًا".
كما شدد على أن المدرسة تتحمل مسؤولية أساسية في التعامل مع الظاهرة، محذرًا من أن بعض المعلمين قد يساهمون في تكريسها عبر السخرية غير المقصودة من الطلاب.
وأشار كذلك إلى أهمية تأهيل الطلاب قبل الدمج مع ذوي القدرات الخاصة، موضحًا أن تحميلهم مسؤولية مساعدة زملائهم المختلفين قد يدفعهم إلى تكوين صداقات حقيقية ويقلل من التنمر ضدهم.
أصوات أخرى
كما تؤكد الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أيضًا أن شخصية المتنمر كثيرًا ما تُبنى على غضب الوالدين وسلوكياتهم، وترى أن الاستعداد للدراسة لا يعني فقط شراء الكتب، بل إعداد الطلاب للتعاون وبناء الصداقات.
كما شددت خضر على دور الإعلام، معتبرة أن تقديم قدوات إيجابية من خلال أعمال هادفة ضرورة قصوى، على غرار الأعمال الدرامية القديمة مثل "عائلة ونيس"، بدلًا من المحتوى العنيف الذي يغرس سلوكيات عدوانية.
وأكدت كذلك على ضرورة إلزام أولياء الأمور بحضور مجالس الآباء لمتابعة سلوكيات أبنائهم، وتقترح تخصيص حصص للتوجيه والإرشاد، وتشجيع الأنشطة الجماعية التي تعزز روح الفريق، مما يسهم في تقليص التنمر.
التنمر مرفوض دينيًا وأخلاقيًا
أما الدكتورة رحاب عبد الفتاح، الطبيبة والمعالجة النفسية، فترى أن التنمر قد يظهر في أي تجمع طلابي، لكنه يصبح خطرًا حقيقيًا إذا لم تتم مواجهته، وتؤكد أن بداية الدراسة فرصة لتعليم الأبناء أن الاختلاف طبيعي وأن التنمر مرفوض دينيًا وأخلاقيًا.
وتنصح الأسر التي يتعرض أبناؤها للتنمر بدعمهم نفسيًا وزيادة ثقتهم بأنفسهم من خلال تمثيل المواقف معهم وتدريبهم على الرد بحزم دون عدوانية.
خطوات فعّالة لمواجهة الظاهرة
أجمع الخبراء الثلاثة على بعض الخطوات التي يجب مراعاتها مع بداية الدراسة للحد من التنمر:
الأسرة: تعزيز ثقة الأبناء بأنفسهم إلى جانب تجهيز المستلزمات المدرسية.
المدرسة: تفعيل دور الأخصائي النفسي والاجتماعي، ومراقبة سلوك الطلاب عن قرب، وتطبيق سياسات واضحة ضد الاعتداء أو السخرية.
الإعلام: نشر الوعي عبر محتوى هادف يقدم نماذج إيجابية تغرس قيم الاحترام والتسامح.
المجتمع: إشراك أولياء الأمور في المتابعة المنتظمة، وتنظيم أنشطة جماعية تساعد الطلاب على التعاون والتعايش.
ومع عودة الطلاب غدًا إلى مقاعد الدراسة، لا تعتبر مواجهة التنمر منذ اليوم الأول مجرد إجراء وقائي، بل استثمار في جيل أكثر وعيًا وقدرة على البناء، لأنها تحدد إن كان طلابنا سيعودون إلى الفصول فرحين بالتعلم، أم مثقلين بجرح نفسي يعيق انطلاقهم نحو المستقبل.