كتاب سرقات مشروعة لأشرف العشماوي يفسر ما وراء واقعة السوار الذهبي: نهب مستمر لآثار مصر عبر العصور

آخر تحديث: الجمعة 19 سبتمبر 2025 - 11:56 م بتوقيت القاهرة

شيماء شناوي

هزّت الأوساط الثقافية والأثرية في مصر مؤخرًا واقعة اختفاء سوار ذهبي فرعوني من داخل المتحف المصري بالتحرير، قبل أن تكشف وزارة الداخلية ملابسات الحادث وتعلن ضبط المتورطين فيه بعد أن جرى بيع السوار وصهره في أحد مسابك الذهب.

الحادثة التي تورطت فيها إخصائية ترميم بالمتحف المصري، إلى جانب صاحب محل فضيات بالسيدة زينب ومالك ورشة ذهب، أعادت إلى الأذهان تاريخًا طويلًا من السرقات والنهب الذي تعرّضت له آثار مصر عبر العصور. ورغم ما يُفترض من صرامة القوانين وإجراءات الحماية، فإن ما جرى يكشف هشاشة المنظومة بأكملها، ويُضاف كحلقة جديدة إلى سلسلة ممتدة يروي تفاصيلها المستشار والروائي أشرف العشماوي في كتابه «سرقات مشروعة».

الكتاب الصادر عن الدار المصرية اللبنانية عام 2012 وتمت ترجمته إلى الألمانية في العام نفسه، يكشف عبر صور ووثائق ومستندات تنشر أغلبها للمرة الأولى، كيف خرجت نصف آثار مصر تقريبًا، سواء عبر نظام القسمة مع البعثات الأجنبية، أو من خلال هدايا الحكام والأمراء، أو بعمليات تهريب منظمة تسترت خلفها مصالح شخصية وسياسية.

ويُميز الكتاب أن العشماوي لا يكتب من موقع الباحث فقط، بل من موقع الشاهد والمشارك؛ إذ شغل لسنوات منصب المستشار القانوني للمجلس الأعلى للآثار، وعضو اللجنة القومية لاسترداد الآثار المهربة حتى نهاية 2011، وتمكن ضمن فريق العمل من استعادة أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية ما بين عامي 2003 و2011.

يشير العشماوي إلى أن أول لبنة لحماية الآثار المصرية وضعت بمرسوم محمد علي باشا عام 1835، بعد أن تحولت السرقات الفردية إلى ظاهرة تهدد التراث الوطني. المرسوم نص على الحظر المطلق لتصدير الآثار، ورفض نظام القسمة، بل وأمر بإنشاء أول متحف للآثار، أسندت مهمته لرفاعة الطهطاوي. ورغم ذلك، استمرت عمليات النهب في العهود التالية، سواء عبر ثغرات قانونية أو نتيجة ضغوط القناصل الأجانب، حتى ظهر قانون 1912 كأول تشريع متكامل لحماية الآثار. لكن قوانين لاحقة، خاصة قانون 1951 ثم قانون 1983، فتحت بدورها ثغرات جديدة شجعت على التهريب، إذ كانت العقوبات المالية زهيدة لا تتناسب مع قيمة الجرائم.

وفي فصل بعنوان «ذهاب وأحيانًا عودة»، يسرد العشماوي تفاصيل صراعات ومفاوضات لاسترداد آثار مصرية من الخارج، أبرزها قضية «مخزن جنيف» التي استعاد خلالها الوفد المصري مومياوات وتوابيت وتماثيل نادرة من سويسرا، وقضية «جونسون» الضابط الأمريكي الذي سرق عشرات القطع أثناء وجوده بمصر، قبل أن تُسترد لاحقًا.

كما يكشف الكتاب عن تاريخ طويل من السرقات داخل مصر نفسها؛ من القصور الملكية إلى المتحف المصري بالتحرير. ويذكر حادثة شهيرة في أواخر الخمسينيات حين اكتشف طالب ثانوي أن سبائك ذهبية معروضة بالمتحف كانت مزيفة، ليتبين لاحقًا اختفاء سوارين فرعونيين وقطع ذهبية أخرى، إضافة إلى ضياع أكثر من 300 قطعة خلال العدوان الثلاثي عام 1956.

ومن المفارقات أن أقفال المتحف كانت قد صُنعت في ألمانيا الشرقية، واكتُشفت لاحقًا مفاتيحها متروكة في أحد الممرات، ما يؤكد حجم التهاون والفساد الذي ساعد «المجهول» على الاستيلاء على الكنوز دون رقيب.

ويصل العشماوي إلى حادثة سرقة المتحف المصري الشهيرة يوم 28 يناير 2011 أثناء الفوضى التي صاحبت الثورة، والتي شكلت صدمة كبرى للرأي العام المصري والعالمي.

في نهاية الكتاب، يطرح العشماوي رؤية للخروج من هذه الدائرة المظلمة، داعيًا إلى إنشاء جهاز دولي مستقل – ربما تحت مظلة اليونسكو – لتوحيد جهود الدول في مكافحة جرائم تهريب الممتلكات الثقافية، وحل النزاعات حولها بالتحكيم.

وهكذا، يضع كتاب «سرقات مشروعة» إطارًا تاريخيًا وواقعيًا لفهم حادثة السوار الذهبي الأخيرة؛ فهي ليست واقعة استثنائية، بل امتداد لمسار طويل من النهب الممنهج، يضع مصر أمام تحدٍّ متجدد لحماية ما تبقى من تراثها، في وقت لا تحتمل فيه ذاكرة الحضارة مزيدًا من الفقدان

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved