من أفران الفراعنة إلى رفوف المتاجر الأمريكية.. لماذا يعد الخبز غذاء مقدسا عند المصريين؟

آخر تحديث: الأربعاء 20 أغسطس 2025 - 10:52 ص بتوقيت القاهرة

سوزان سعيد

في خطوة غير مسبوقة، نجحت إحدى الشركات المصرية المتخصصة في الصناعات الغذائية في تصدير العيش البلدي المصري إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يباع مجمدًا في المتاجر الأمريكية، حيث يحتوي الكيس على 5 أرغفة تزن 400 جرام وتباع بـ2.5 دولار.

وتداول الكثير من المصريين الذين يعيشون في أمريكا، مقاطع فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظهرالخبز وهو مغلف بشكل أنيق داخل كيس، مشيدين بتغليفه ومذاقه الذي وصفوه بأنه " زي العيش البلدي اللي جاي من الفرن".

ويسلط التقرير التالي الضوء على تاريخ العيش المصري، وفقًا لموقع "Ancient Egypt Alive".

الخبز المصري غذاء مقدس

تشير الأدلة المستمدة من المواقع الأثرية التي تعود إلى عصور ما قبل الأسرات إلى أن مصر عرفت صناعة الخبز منذ حوالي 5800 عام، وشكل جزءًا أساسيًا من الثقافة المصرية، حيث تواجد في جميع وجبات المصريين القدماء، وتناولته جميع طبقات المجتمع، من الملك إلى عامة الشعب، كما عد مصدرًا للبروتين والفيتامينات والمعادن، إذ كان يُصنع أساسًا من حبوب القمح، وكان له أهمية اقتصادية كبرى، حيث كانت غالبية العمال، بمن فيهم بناة الأهرامات، يتقاضون أجورهم بالخبز والبيرة، ، بالإضافة إلى أهميته الروحية، إذ كان يُوضع كثيرًا في مقابر الموتى ليؤمّن لهم قوت يومهم في الآخرة، فهو رمزًا للرزق والحياة الأبدية.

قمح الإيمر.. أصل صناعة الخبز المصري

كانت عملية إنتاج الخبز في مصر القديمة طويلة ومكلفة، إذ كان الخبز المصري القديم يُصنع من نوع قديم من بذورقمح "الإمر"، والتي يصعب التعامل معها لأسباب متعددة، بعد حصاد سيقان الحبوب من الحقول، تُزال القشرة الخارجية وتُفصل البذور عن قشورها، وهي مهمة شاقة ودقيقة، لأن القشرة لم تكن تتساقط على شكل أشواك في بذور الإمر، كما يحدث مع الحبوب الأخرى، مما يتطلب ترطيب البذور ودقها بالمدقة والهاون مع الحرص على عدم سحق الحبة الداخلية.

المرأة المصرية ركيزة مهمة في صناعة الخبز

حتى عصر الدولة الحديثة، لم يكن هناك أي دليل على وجود طواحين في مصر القديمة، إلا أن العديد من النقوش المتواجدة على المقابر والمعابد تُظهر أن النساء كنّ مسؤولات عمومًا عن عملية الطحن اليدوي، وكان هذا العمل يستغرق أكثر من 12 ساعة يوميًا، مما يتسبب لهن في حدوث آلام شديدة في الظهر، بالإضافة إلى آلام في أصابع القدمين والكاحلين والركبتين وأسفل الظهر واليدين والمرفقين التي عُثر عليها في العديد من بقايا المومياوات النسائية المحنطة في مصر القديمة.

المصريون القدماء أول من عرف الخميرة

كان الخبز يُصنع من الماء والدقيق مع إضافة الخميرة، والتي تعد ضرورية لجعل أرغفة الخبز هشة ومسامية، بالإضافة إلى زيادة حجمها وتحسين مذاقها ورائحتها. ولأنه كان يُخمّر بالخميرة الطبيعية، فقد ربط الباحثون هذا الخبز القديم بخبز الشمسي الحالي.

يُترك الخليط في الخارج في أشد الأيام حرارةً لفترة طويلة لتنشيط الخميرة الطبيعية في الدقيق وبدء عملية التخمير.

اتخذ الخبز في مصر القديمة أشكالًا مختلفة، أحيانًا كان يُفرَد ببساطة على شكل أقراص دائرية توضع داخل أفران طينية مصنوعة من طمي النيل، أو يتم تشكيل العجين في قوالب بأشكال مختلفة، مثل المثلثات أو المخاريط، ثم يُوضَع فوق النار.

المخابز التي غذت بناة الهرم

في عام 1991، اكتشف مخبزان في الجيزة بالقرب من الأهرامات من قبل (AERA جمعية أبحاث مصر القديمة في الجيزة)، والتي يعود تاريخهما إلى المملكة القديمة وعصر خوفو وخفرع، عادةً ما توجد المطابخ المخصصة لطهي الطعام ملتصقة بالقصور أو المعابد أو المنازل الخاصة، إلا أن مخابز الجيزة وجدت متصلة بمعارض مع مخابز أخرى ومساحات مخصصة لإنتاج الطعام، مما يرجح أنها كانت مخصصة لإطعام عمال الأهرامات.

أما المخبز الأثري فقد اكتُشف في أسوان، جنوب مصر، في جزيرة إلفنتين، والذي لوحظ أن رماده يكاد أن يلامس السقف، مما يدل على إنتاج الخبز على نطاق صناعي واسع.

الخبز المصري القديم خال من الجلوتين

أثار إنتاج الخبز في مصر القديمة اهتمام العديد من الباحثين في هذا المجال، وجدير بالذكر أن مشروع AERA الذي موّلته الجمعية الجغرافية الوطنية عام ١٩٩٣، قام بإعادة إنتاج مخابز الجيزة القريبة من موقع سقارة باستخدام نفس الحبوب (الإيمر) والتقنيات (أواني البيجا) مثل المصريين القدماء.

كانت نتائج هذا المشروع مبهرة، إذ اكتشف أن بذور الإيمر لا تحتوي على أي جلوتين تقريبًا، وهو ما يُفسر، سبب كون الخبز المصري القديم مسطحًا وثقيلًا، إذ أن الجلوتين هو الذي يُعطي الخبز قوامه الخفيف والهش.

توثيق صناعة الخبز على جدران المعابد

وثقت صناعة الخبز جيدًا بفضل الصور والنقوش الجدارية الموجودة على المقابر والمعابد، ويمكن رؤية قرابين الخبز في مقبرة نفرتاري التي تعود إلى المملكة الحديثة، والتي ترينا القمح وهو يُطحن حتى يصبح دقيقًا خشنًا، وأن العجين وهو يُخلط في قوالب بأشكال مختلفة، ويُترك ليختمر، ثم يُوضع على أطباق ليُخبز في أفران من الطوب اللبن، كما وُجدت أرغفة الخبز في مشاهد المقابر التي تضمنت مجموعة متنوعة من أشكال وأحجام قرابين الخبز.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved