بين مصر وتونس.. بالأرقام ماذا قدمت هند صبري للسينما العربية؟

آخر تحديث: السبت 21 يونيو 2025 - 4:27 م بتوقيت القاهرة

الشيماء أحمد فاروق

تتصدر الفنانة هند صبري أحاديث منصات التواصل الاجتماعي في مصر، بسبب تصريحات منسوبة لها عن جنسيتها التونسية وهجومها على مصر، وثبت أنها لم تصدر عنها أي تصريحات في هذا الشأن، إلا أن النقاش والجدل استمر بسبب غضب البعض من دعم هند لِما تسمى "قافلة الصمود التونسية"، ونتيجة لهذا شُنت حملة شرسة للمطالبة بسحب الجنسية منها، وعلى الجانب الآخر وقفت مجموعة من الأصوات ضد هذه الحملة، من بينهم المخرج يسري نصر الله، والمخرجة هالة خليل، والمخرج أمير رمسيس، والمنتج صفي الدين محمود، والفنانة هالة صدقي، والفنانة إلهام شاهين وغيرهم.

بدأت هند صبري مسيرتها الفنية منذ منتصف التسعينيات تقريباً، وبعد سنوات قليلة من البداية جاءت إلى مصر وانخرطت سريعا في السوق السينمائي المصري، وعلى الرغم من بدايتها المبكرة إلا أن جدلية الجنسية تلاحقها بين الحين والآخر، وبعيدا عن هذا الجدل غير المُجدي واقترابا من مسيرة هند الفنية الثرية، كان لنا هذا الرصد الرقمي، لفهم أهمية هند في خريطة السينما المصرية والعربية، من خلال تحليل مشاركاتها في مصر وتونس.

 

خلال إطار البحث في الفترة من 1994 وحتى 2025، قدمت هند 35 فيلما سينمائيا، ساد فيها الأفلام الروائية الطويلة مع مشاركات بين الحين والآخر في أفلام روائية قصيرة، وخاضت مؤخرا تجربة التسجيلي/ الدرامي "ديكودراما"، من خلال الفيلم التونسي "بنات ألفة"، تعاونت عبر هذه الأفلام مع 25 مخرجا، من بينهم 5 مخرجات، هن: مفيدة التلاتلي، هالة خليل، إيناس الدغيدي، هند بوجمعة، كاملة أبو ذكري. وتنقسم الأفلام التي شاركت فيها هند إلى: 25 فيلما مصريا، و8 أفلام تونسية، وفيلم تونسي من إنتاج كندي، وفيلم تونسي من إنتاج ألماني.

 

 

 

كانت بداية هند في مصر عام 2001، من خلال فيلمين يتسمان بالجرأة، وهما "مذكرات مراهقة" للمخرجة إيناس الدغيدي، و"مواطن ومخبر وحرامي" للمخرج داود عبدالسعيد، وبين شخصيتي جميلة الفتاة المراهقة الحالمة، وجميلة الخادمة، قدمت هند نفسها إلى الجمهور المصري بقوة ومن باب مثير للجدل، حيث الحياة الجنسية للمرأة محل للنقاش، وكانت تحتاج إلى خطوة أكثر حميمية لتقترب إلى الجمهور ككل، وليس نوعا خاصا من محبي هذه الأعمال، وجاءت شخصية "يسرية" في فيلم "أحلى الأوقات" لتصنع هذه النقلة الجذرية، وصفها هاشم النحاس في مقال له عن فيلم "مذكرات مراهقة": "تواصل الممثلة التونسية الشابة تأكيد قدرتها على تقديم أداء مُقنع"، وقال عن شخصية "حورية" في مقال آخر عن فيلم "إبراهيم الأبيض": "هند صبري التونسية تؤكد مكانتها كممثلة ومصريتها في هذا الفيلم"، أما شخصية "يسرية" في فيلم أحلى الأوقات فقد حظيت بتعليقات نقدية إيجابية واسعة عند عرضها، ومنها "الفنانة الشابة هند كانت مفاجأة الفيلم بأدائها لدور يسرية، لقد كانت بتجسيدها لهذه الشخصية طاقة من المشاعر والأحاسيس الصادقة التلقائية التي اندفعت كالطوفان ما إن وجدت إلى ذلك سبيلا فغمرت صالة العرض بالبهجة والانتعاش والتعاطف معها".

وقال الناقد محمود عبدالشكور عن شخصية بثينة في مقال عن فيلم "عمارة يعقوبيان": "هند صبري تذهلنا بتلقائيتها، وأدائها الذي يتطور من يوم إلى آخر، لتؤكد أنها من أبرز نجمات جيلها قدرة على الأداء القوي والبسيط في نفس الوقت".

وقدمت هند شخصيات شديدة المصرية، على مستوى الشكل والأداء والمعاناة من خلال شخصيات "بثينة" مثل و"يسرية وحورية"، وأيضا في الأفلام القصيرة عبرت عن حياة امرأة عادية من الطبقة التي تدور في رحلة البحث عن لقمة العيش، وكان فيلم "صباح الفل" القصير لشريف البنداري صرخة هادئة عن عاملة في مصنع للملابس نسيت أنوثتها في خضم معركة الحياة اليومية.

 

وهذا الحديث يحيلنا إلى أرقام أخرى ظهرت من خلال الرصد، ألا وهي المتعلقة بالمضمون النسوي في أعمال هند صبري السينمائية، وتُظهر الأرقام أن هند قدمت 11 فيلماً يمكن وضعها تحت بند المضمون النسوي، مثل: "لعبة الحب، مذكرات مراهقة، عرايس الطين، نورا تحلم، صمت القصور، صباح الفل"، إلى جوار قضايا أخرى كبرى برزت في أعمالها مثل الإرهاب والانضمام إلى تنظيمات التطرف الديني، في أفلام مثل: "زهرة حلب، وبنات ألفة"، حيث عادة يتوفر في الأفلام التي تشارك فيها هند عنصر المضمون الدرامي القوي، حتى ذات الطابع الكوميدي، مثل فيلم "عايز حقي"، والذي ناقش احتياجات المواطن المصري البسيط والفجوة بينه وبين ما تقدمه الحكومة.

وهناك أعمال أخرى لم تكن مضمونها نسوي في الأساس لكن لم تخلو الشخصية نفسها التي قدمتها هند من التمرد، أو مناقشة قضية تخص المرأة، مثل فيلم "عمارة يعقوبيان"، من خلال شخصية "بثينة"، وعبرت هند عن مشكلة التحرش في أماكن العمل، والضغوط التي تمارس على الفتاة من أجل "لقمة العيش" مقابل الجنس، كما قدمت شخصية المناضلة المصرية الصعيدية دولت فهمي، التي قُتلت تحت مسمى "جريمة شرف" بسبب دفاعها عن أحد المشاركين معها في المقاومة.

علق الناقد رامي المتولي على هذه الأرقام حول مسيرة هند صبري السينمائية لـ"الشروق"، وقال: "تعتبر هند واحدة من أهم الممثلات في المنطقة العربية كلها، وهذه الأرقام تعبر بشكل كبير عن أهمية وجود ممثلة مثقفة لديها وعي، تنعكس أفكارها ومبادئها داخل الأعمال التي تشارك فيها".

وأضاف، "هند صبري فترة صعودها تزامن مع صعود تيار السينما النظيفة في مصر، وبالتالي النماذج التي كانت تحتاج إليها الأفلام وهناك قضايا معينة كان هناك ندرة في فرص تمثيلها على الشاشة ولكن هند استطاعت تغطية المساحة الفارغة في ذلك الوقت، ويمكن اعتبار وجودها في السينما المصرية بمثابة عوم عكس التيار السائد، واعتقد أن هذا الأمر كان نابعا من إيمان ومبادئ لم تتخل عنها منذ البداية وحتى الآن، لأنها كممثلة محترفة تهتم باختيار أدوار مناسبة لها ومناسبة لطبيعة وجودها وأدائها واستمراريتها، واندماج هند مع المجتمع المصري خلق مساحة من التنوع واختيارها في أدوار مختلفة"، مؤكدا أن "هند لها تأثير عظيم جداً على المنطقة وهي وجه يعبر بشكل مشرف عن قضايا مهمة".

يمكن وصف هند صبري بالممثلة المُغامرة، فهي تضع ثقل أدائها في تجارب جديدة، وتذهب بها بعيدا إلى مهرجانات عالمية، مثل تجربتها في فيلم "بنات ألفة" والذي يبتعد عن النمط التقليدي من الأفلام الروائية، ويدمج بين الحقيقة والدراما في حكاية خطيرة عن التطرف والمرأة والمجتمع التونسي، وقد نافس الفيلم على جائزة الأوسكار في القائمة القصيرة لأفضل فيلم تسجيلي، وفاز بجائزة الشرق لأفضل فيلم تسجيلي من مهرجان البحر الأحمر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved