بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة
آخر تحديث: السبت 21 يونيو 2025 - 4:02 م بتوقيت القاهرة
فهد أبو الفضل
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة 27 يونيو 2025، تحت عنوان: "بداية جديدة وأمل جديد".
وأشارت الوزارة إلى أن الهدف المنشود من هذه الخطبة والمراد توصيله للجمهور هو: (أهمية بث الأمل في النفوس مع بداية عام هجري جديد).
وجدير بالذكر أن وزارة الأوقاف كانت قد حددت موضوع خطبة الجمعة الماضية بعنوان: "الأوطان ليست حفنة من تراب"، وأكدت أن الهدف منها هو بيان أهمية العقل والوطن، والتحذير من الفكر المتطرف الذي يفسد العقل ويدمر الأوطان، مع التأكيد على أن حب الوطن جزء من التدين الحقيقي، وأن الحفاظ على ممتلكاته وهويته واقتصاده من أعظم صور البر بالوطن.
نص من خطبة الجمعة الماضية:
الحمد لله رب العالمين، هدى العقول ببدائع حكمه، ووسع الخلائق بجلال نعمه، أقام الكون بعظمة تجليه، وأنزل الهدى على أنبيائه ومرسليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهًا أحدًا فردًا صمدًا، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وختامًا للأنبياء والمرسلين. اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الوطن قصة تُروى على ألسنة الأجيال، وروح تسكن في كل زاوية ودرب، الوطن شعب عريق، وحضارة سامقة، ومؤسسات تقوم بسواعد البناء، وانتصارات تُسطر بدماء الأبطال، ورجال عباقرة نسجوا مجده، وعلماء ومخترعون ومبدعون وقفوا على ثغور العلم وأبهروا العقول، ومناضلون صنعوا المجد، فالوطن يعيش فينا كما نعيش فيه.
أيها الناس، إن من يختزل هذه الكلية الأبدية الساحرة في "حفنة تراب" إنما ارتكب عقوقًا وطنيًا، وشوه مفهومًا عظيمًا. قال سيد الزهاد إبراهيم بن أدهم -رحمه الله- معبرًا عن قيمة وطنه: "ما قاسيت فيما تركت شيئًا أشد علي من مفارقة الأوطان".
أيها الكرام، هذه رسالة إلى من قست قلوبهم تجاه أوطانهم، ألم يأت القرآن والسنة بالآيات والأحاديث التي تدل على الأهمية العظمى للوطن؟ ألم يشر القرآن في عشرات الآيات إلى قيمة الوطن؟ ألم يقرن الله تعالى مفارقة الأوطان بقتل النفس في قوله: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم}؟ ألم يجعل الله سبحانه وتعالى الجلاء عن الوطن عذابًا للمخالفين فقال: {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا}؟
أيها الكرام، هل تدركون أن الوطن ليس جمادًا لا إحساس له، بل هو كائن يتنفس؟ ألم يخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الحجر سلم عليه قبل البعثة؟ ألم يحن إليه الجذع ويبك شوقًا حتى سكن بين يديه الشريفتين؟ ألم يسبح الحصى في كفه الشريف؟ ألم تشكُ إليه الحيوانات والدواب؟ كل هذا ينبئنا أن الكائنات تعي وتشعر.
عباد الله، تدبروا، إن الوطن يحزن ويفرح، يرضى ويغضب، فهو قيم وأخلاق، وعادات وتقاليد، وولاء وانتماء، وإخلاص ووفاء، وحضارة وثقافة، وجمال يأسر الألباب، إنه حنين إلى البقاع، وشوق إلى المراقد، وإحساس بكل ذرة فيه، وتأملوا قوله صلى الله عليه وسلم عن جبل أحد: "أحد جبل يحبنا ونحبه"، فكيف بوطن بأسره؟
أيها المكرمون، لقد ضرب لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حب الوطن، فقال سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر، فنظر إلى جدرات المدينة، أوضع راحلته، وإن كان على دابة حركها؛ من حبها". ويعقب الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله على هذا الحديث في "فتح الباري" فيقول: (وفي الحديث دلالة على مشروعية حب الوطن والحنين إليه). وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله معبرًا عن هذا الحب الفطري: "وكانت العرب إذا سافرت، حملت معها من تربة بلدها تستشفي به عند مرض يعرض".
أيها النبلاء... اقدروا للوطن قدره، فإن حب الوطن ليس مجرد شعارات تُرفع، بل هو عمل جاد وإتقان في كل موقع، فالموظف الأمين، والعامل المتقن، والطالب المجتهد، والمعلم المربي، والطبيب الحريص، والتاجر الصدوق، كل هؤلاء يبنون وطنهم بإخلاصهم، وحفاظهم على هويته الثقافية والدينية، ولغته المبدعة العلية، ومرافقه العامة.
دامت لنا نعمة مصر محفوظة مرعية مجبورة منصورة، ببركة دعوة صالحة من آل بيت الجَنان المعظم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيا أيها الناس، إن الحب الحقيقي للوطن يتجلى في أفعالنا، في مدى حرصنا على كل ما يخص هذا الوطن، وأولى هذه المظاهر وأوضحها، الحفاظ على الممتلكات العامة التي هي ملكٌ لنا جميعًا. من صور ذلك الحفاظ على وسائل النقل العام، ومنها القطارات، فإنها شرايين حياة تربط أرجاء الوطن، فهل يُعقل أن تُلقى الحجارة عليها؟ كيف لإنسان أن يخرب قطارًا ويعبث بمرافقه التي تنفع الركاب؟ هل يُقبل أن تؤذي إنسانًا، أو تكون سببًا في هلاكه؟ إن من يقوم بذلك لا يدرك أنه يعيق تقدم بلده، ويؤخر مسيرة التنمية، ويؤثر سلبًا على آلاف المواطنين الذين يعتمدون على هذه الوسيلة الحيوية.