من حريق الأقصى إلى مواقع غزة.. التراث الفلسطيني تحت نيران الاحتلال
آخر تحديث: الخميس 21 أغسطس 2025 - 11:04 ص بتوقيت القاهرة
محمد حسين
تحل ذكرى حريق المسجد الأقصى اليوم الخميس، 21 أغسطس، وهي واحدة من أبشع الفصول في تاريخ القدس المعاصر.
في مثل هذا اليوم من عام 1969، التهمت النيران منبر صلاح الدين وأجزاء واسعة من الجناح الشرقي والجنوبي الشرقي، في جريمة هزّت العالم الإسلامي، وأشعلت موجة غضب واحتجاجات واسعة.
لم يكن الحريق مجرد اعتداء على معلم ديني عريق، بل اعتبره العرب والمسلمون إنذارًا مبكرًا بأن الاحتلال يستهدف التراث والهوية كما يستهدف الأرض والإنسان.
* كيف وقعت الجريمة؟
بحسب وثائق مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فقد قام مايكل دنيس ويليام روهان بتمثيل عملية إحراق جانب من المسجد الأقصى أمام محققي الشرطة.
وتبين أن المتهم، دخل في حوالي الساعة السادسة والنصف من صباح يوم الخميس 21/8/1969 من باب الغوانمة، بعد أن دفع ليرتين ثمن تذكرة دخول، وقصد فورًا إلى المسجد الأقصى، حيث لم يكن هناك سوى حارس الأحذية محمد الحلواني.
وكان روهان يحمل على ظهره حقيبة من القماش بداخلها أوعية مملوءة بالنفط، ومواد مشتعلة، ومواد أخرى شديدة الاشتعال غير قابلة للإطفاء، و"خرق بالية".
وعندما دخل المسجد، توجه إلى المنبر، ولم يكن أي شخص هناك، فرش كمية من المواد المشتعلة حول المنبر، ومد فتيلاً طويلاً من باب المنبر إلى أعلى درجاته، كما رش كمية من المواد المشتعلة مرة ثانية حول المنبر.
فيما شاهدته في هذه الأثناء سيدة عربية كانت تصلي في محراب النساء وحدها، فتظاهر بأنه يلتقط صورًا للمسجد، إذ كان يحمل معه آلة تصوير.
وعندما غادرت السيدة العربية المسجد، أقدم على ارتكاب جريمته البشعة، فأشعل النار في المنبر، وانتشرت ألسنة النيران بسرعة، وهنا التقط بعض الصور الفوتوغرافية للحريق.
وغادر المتهم بعد ذلك المسجد، وحينما وصل إلى الباب الرئيس شاهده السادن الشيخ جودة الأنصاري، فأخذ يصرخ على حارس الأحذية مستفسرًا عن كيفية دخول هذا الأجنبي إلى المسجد.
وتوجه الشيخ الأنصاري، رأسًا إلى غرفة تُعرف بـ"دار الأقصى"، تقع قرب المنبر، ليضع حوائجه فيها كالعادة، وهنا فوجئ الشيخ بالنار تندلع من المنبر، فأخذ يصرخ طالبًا النجدة ومطاردة الفاعل.
وفي هذه اللحظة، كان روهان يتجه نحو باب الأسباط وراح يعدو، ولما وجد باب الأسباط مغلقًا اتجه نحو باب حطة، حيث خرج من هناك، وفي هذه الأثناء وقعت منه الجرزة التي كان يحملها.
واعترف روهان أثناء تمثيله لعملية الحريق، بأنه قبل حوالي أسبوعين حاول إشعال النار في باب المسجد الأقصى من الجهة الشرقية الجنوبية، أي قرب محراب زكريا، إذ إنه أحضر ست زجاجات مليئة بالمواد المشتعلة، ووضع فتيلاً في داخل خرق القفل، وبعد أن صب المادة المشتعلة في الفتيل، وتسربت المادة إلى الداخل، أشعل النار في طرف الفتيل وسارع إلى الفرار معتقدًا أنه نجح في إشعال الحريق.
وحينما عاد في اليوم التالي إلى المسجد، فحص مكان الحريق، فتبين له أن النار لم تتسرب إلى الداخل، وقد ترك الحريق أثرًا بسيطًا هناك.
* لا يزال المسلسل مستمرًا في غزة
وإذا كان حريق المسجد الأقصى عام 1969، جسّد مبكرًا استهداف الاحتلال للتراث الإسلامي والعربي في القدس، فإن تقارير حديثة تؤكد أن النهج نفسه ما زال مستمرًا.
وخلص تقرير للجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة، نُشر في فبراير 2024، إلى أن الهجمات الإسرائيلية على المواقع الثقافية والدينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة غزة، "ترقى إلى جرائم حرب وجريمة ضد الإنسانية".
وأشار التقرير إلى أن إسرائيل دمّرت أكثر من نصف المواقع الدينية والثقافية في غزة، بما في ذلك المسجد العمري الكبير الذي يعود للقرن السابع الميلادي، وقصر الباشا الأثري العائد للقرن الرابع عشر، وكنيسة القديس بورفيريوس، ثالث أقدم كنيسة في العالم، فضلاً عن الاستيلاء على أول متحف أثري في القطاع ونهبه. وخلصت اللجنة إلى أن القوات الإسرائيلية "كانت تعلم أو ينبغي أن تعلم بأهمية هذه المواقع"، ورغم ذلك استهدفتها بشكل متكرر.
وأكد جهاد ياسين، المدير العام لوزارة السياحة والآثار الفلسطينية، أن "تدمير التراث الثقافي جريمة بموجب القانون الدولي"، مشيرًا إلى أن وزارته وثقت تضرر 226 موقعًا ثقافيًا من أصل 316 في غزة فقط خلال الحرب.