في ذكرى ميلاده.. محمد حسنين هيكل الصحفي الذي صنع ذاكرة السياسة والتاريخ
آخر تحديث: الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 2:56 م بتوقيت القاهرة
شيماء شناوي
تحل هذا الشهر ذكرى ميلاد الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، أسطورة الصحافة العربية والعالمية، الذي عاش تفاصيل الماضي بدقة، وقرأ الحاضر بوعي وتحليل، «الجورنالجي» الذي لم يعتمد على الذاكرة وحدها، بل سجل الأحداث التي عايشها واحتفظ بوثائقها، ليقدمها للأجيال القادمة بأسلوبه الأدبي المتفرد.
ولد «هيكل» في 23 سبتمبر، وخاض منذ 8 فبراير 1942 تجربة فريدة مع صاحبة الجلالة امتدت لنحو 75 عامًا، أرخ خلالها للتاريخ المعاصر كما لم يسبقه أحد، وساهم في صياغة السياسة المصرية، بل ولعب دورًا بارزًا منذ عهد الملك فاروق وحتى رحيله في 17 فبراير2016، حيث كان شاهدًا على أحداث كبرى، وامتدت علاقاته إلى قادة دول عظمى وإقليمية وعربية، جعلت من قلمه نافذة لفهم السياسة والتاريخ.
امتلك «الأستاذ» رؤية مختلفة عن الصحفي التقليدي، مكنته من الاقتراب من أعلى المستويات السياسية في العالم، حتى صار هو نفسه مقصدًا لقادة وحكام وملوك الدول التي كانت تسعى إلى لقائه والتحاور معه.
وقد عبر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عن خصوصية علاقته به قائلًا: «هناك فرق شاسع بين هيكل وجميع الصحفيين.. هم يسألونني عن المشاريع، أما هو فكان يكتب ما لم أبوح به بعد، خواطر لا تزال في رأسي، لأنه وحده يسكن هناك».
بدأ هيكل مشواره الصحفى من داخل مكتب «الإيجيبشيان جازيت» كمتدرب، وكانت قضيته الأهم منذ اللحظة الأولى هى «الخبر» الذي كان يسعى دومًا إلى توثيقه رسميا، فمنذ ذهابه إلى شارع كلود بك بالقاهرة لعمل تحقيق حول مهنة «البغاء»، والتي كان مصرح بها في مصر ذلك الوقت، وهى القصة التي سرد تفاصيلها عبر برنامحه «مع هيكل»، ثم سفره بعد ذلك إلى معركة العلمين، واستمرار مشواره الصحفي الممتد مع كبرى الصحف والمجلات في مصر، حيث عمل في «آخر ساعة» و«أخبار اليوم» قبل أن يلتحق بـ«الأهرام» ويقود نهضتها لمدة ستة عشر عامًا حتى 1974، حين استقال على إثر خلاف مع الرئيس أنور السادات وسط حالة من الذهول، مكتفيًا بعبارة موجزة: «صفحة وانتهت».
لكن هذه الاستقالة لم تكن نهاية الرحلة، بل بداية مرحلة عالمية كتب فيها لكبرى الصحف العالمية ومنها: «صنداي تايمز» وغيرها، كما أصدر كتبًا تُرجمت إلى لغات عدة، فأصبح اسمًا دوليًا، وهكذا تغلب الأستاذ على الحصار الذي فرض عليه، ومحاولات إقصاءه عن المشهد، بالإضافة إلى الهجوم الضروس الذي تعرض له على صفحات الصحف المصرية والذي امتد لسنوات ومنها جريدة منها «الأهرام» نفسها، حيث تعددت المانشتات ضده منها: «واحد.. ضد مصر، ماذا كان يريد هيكل؟»، بالإضافة إلى اتهامه بالإساءة إلى مصر والوحدة الوطنية، ما جعله يمثُل أمام المدعى العام الاشتراكي للتحقيق معه، وهي التجربة التي سجلها الأستاذ في كتابه «وقائع تحقيق سياسى أمام المدعى الاشتراكى»، الصادر عن دار الشروق.
كان «هيكل» يؤمن بأن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل مسؤولية تاريخية، فكتب في كتابه «بين الصحافة والسياسة» الصادر عن دار الشروق أيضًا: «كنت أتمنى أن أكتب القصة، ومن هنا لم أترك ما مر أمامي يضيع، وإنما حاولت أن أسجله موثقًا». وقد مكنته مهارته الفريدة في الوصول إلى الوثائق الأصلية من أن يصبح مرجعًا عالميًا في فهم التاريخ والسياسة.
ارتبط «الأستاذ» بعلاقة خاصة مع دار الشروق، منذ مقالاته في مجلة «وجهات نظر» التي كانت الصحف العالمية تترجمها وتنشرها، وهى المقالات المستطردة، التي جمعها في كتابه «كلام في السياسة.. قضايا ورجال: وجهات نظر»، مرورًا بتجربته الرائدة في كتابة عروض الكتب، وصولًا إلى برنامج «مع هيكل» الذي كان مخططًا له 20 حلقة فقط، قبل أن يتجاوز 200 حلقة، استقطبت عشرات الملايين من المشاهدين. تحدث خلالها بذاكرة حية وأسلوب متقد، دون حاجة إلى مونتاج يذكر.
رحل محمد حسنين هيكل يوم الأربعاء 17 فبراير 2016، عن عمر ناهز 93 عامًا، بعد صراع قصير مع المرض. ورغم الغياب، ظل إرثه ممتدًا، فالكلمة التي آمن بأنها «باقية على الورق» صارت بالفعل شاهدًا خالدًا على مسيرة مهنية وإنسانية استثنائية.